العالم يواجه تسارعا كبيرا في تغيّر المناخ

الانتفاضة // ابتسام بلكتبي // صحفية متدربة

تشير السجلات المناخية إلى أن كوكب الأرض يشهد ارتفاعا متواصلا في درجات الحرارة منذ منتصف القرن العشرين، في ظل تأثيرات طبيعية وبشرية متداخلة. فرغم تقلبات المناخ الموسمية والدورية، فإن المنحى العام يوضح بجلاء تسارع الاحترار العالمي، الذي بلغ ذروته في عام 2024.

وتشير الدراسات إلى أن معدل حرارة سطح الأرض ارتفع بمقدار درجة ونصف مئوية منذ عام 1924، وهو ما يعكس تسارعا خطيرا بالمقارنة مع الفترات السابقة. فقد كان متوسط الاحتباس الحراري بين عامي 1924 و2024 أعلى بأربعة أضعاف مما سُجل بين 1850 و1923، في وقت سجلت فيه السنوات الأخيرة، خاصة 2016 و2023 و2024، أعلى درجات حرارة على الإطلاق.

ولا تتوزع ظاهرة الاحتباس الحراري بانتظام على سطح الكوكب، بل هناك مناطق تتأثر بوتيرة أسرع. فقد شهد القطب الشمالي مثلا ارتفاعا حراريا يعادل أربعة أضعاف المتوسط العالمي، ما تسبب في ذوبان جليدي واسع النطاق واضطرابات بيئية تهدد التوازن الطبيعي في المنطقة.

أما القارات الكبرى مثل أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا، فقد عرفت زيادة في الظواهر المناخية المتطرفة، من موجات حرّ شديدة إلى جفاف معقد وطويل الأمد. وفي المقابل، امتصت المحيطات جزءاً كبيرا من الحرارة الزائدة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع مستوى البحار وتضاعف شدة وتكرار الأعاصير المدارية.

انبعاثات الغازات الدفيئة

تتفق الأبحاث على أن الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، تقف وراء تسارع ظاهرة الاحترار العالمي. وتشير البيانات إلى أن الأنشطة البشرية مسؤولة عن أكثر من 55% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، خصوصا بسبب التصنيع والنمط الاستهلاكي والتحضر العشوائي، الذي ساهم في تفاقم ما يعرف بـ”ظاهرة الجزيرة الحرارية” في المدن الكبرى.

لكن الطبيعة ليست بريئة تماما، فهي تفرز بين 18 و39 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويا، نتيجة حرائق الغابات، وأنشطة المحيطات، والأراضي الرطبة، والتربة الصقيعية، وحتى النشاط البركاني والزلازل.

وفي عام 2023، بلغت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نحو 420 جزءا في المليون، وهي أعلى نسبة مسجلة في التاريخ، وجعلت من ذلك العام الأشد حرارة حتى جاء عام 2024 ليحطم الأرقام القياسية مجددا.

ولم تسلم النظم البيئية من هذا التأثير، حيث تراجعت قدرة الغابات والأراضي والتربة على امتصاص الكربون بسبب قطع الأشجار وتغيّر استخدام الأراضي، وهو ما زاد الوضع تفاقما. وتلعب المحيطات دورا رئيسيا في تخزين الكربون، خاصة عبر العوالق النباتية الدقيقة التي تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين، لكن هذه الكائنات أيضا تواجه تحديات متزايدة بفعل تلوث المياه بالبلاستيك الدقيق.

ومع استمرار هذه الاتجاهات، تتوقع الدراسات أن يتجاوز الاحترار العالمي حاجز درجتين مئويتين مع حلول عام 2045، وهو ما يعني تخطي العديد من النقاط الحرجة في النظام المناخي. كما تشير التقديرات إلى أن عتبة 1.5 درجة، التي نص عليها اتفاق باريس للمناخ، قد يتم تجاوزها في ثلاثينيات هذا القرن.

سباق مع الزمن نحو الطاقة النظيفة

أمام هذا الواقع المقلق، يجمع العلماء على أن الوقت بدأ ينفد للحد من تداعيات الاحترار العالمي، حيث بات مستقبل الكوكب مرهونا بسرعة التحول إلى مصادر طاقة خالية من الكربون، وإلى التزام فعلي من الدول الكبرى باتباع سياسات بيئية أكثر صرامة واستدامة.

ولم يعد إبرام صفقة عالمية جديدة للحد من الانبعاثات خيارا، بل ضرورة حتمية لتفادي السيناريوهات الكارثية التي تلوح في الأفق.

التعليقات مغلقة.