الانتفاضة
إنها لمفارقة مُخزية أن تُسمّى جمعيات آباء وأمهات التلاميذ، وهي في حقيقتها ليست سوى أصنام جمعوية لا تتحرك، ولا تنطق، ولا تغضب، إلا إن جاء وقتُ الطعن في ظهر الأستاذ. جمعيات ـ إن جاز تسميتها بذلك ـ ماتت ضمائرها، واختارت أن تتقمص صمت المقابر، صمتًا لا يشبه الحكمة، بل يشبه الجبن، بل يشبه التواطؤ.
أين صوتكم حين يُزجّ بالتلميذ في فصل يضم خمسين رأسًا؟ أين بياناتكم حين يُحرم الطفل من بيئةٍ تعليمية تليق بإنسانيته؟ أين غيرتكم حين يُقاد صباحًا في حافلة مكتظة كالعلبة المعدنية، لا يجد فيها حتى متكأً لقدميه الصغيرة؟ أين غضبكم حين يُجبر على الجلوس في فصل خانق لا هواء فيه ولا نور، أو حين تتجمد أنامله في صباح شتوي لا مدفئة فيه؟ أنتم غائبون، بل أنتم غارقون في نومكم العميق، ولا توقظكم إلا نداءات النفاق حين يُطالب المعلم بحق، أو حين يحتج باسم من عجز عن الكلام.
أي آباء أنتم؟ وأي أمهات؟ بل أي صلة تجمعكم أصلًا بهذه المدارس؟ من أنتم؟ من خوّلكم الحديث باسم التلاميذ؟ من انتخبكم؟ من فوّضكم؟ من جعل من هذه الوجوه المُتقاعدة، المُنسحبة من مشهد الحياة التربوية، ممثلًا شرعيًّا لأجيالٍ لا تعرفكم، ولا تسمع عنكم؟ بعضكم لا أبناء له في المدرسة، وبعضكم نسي رائحة القسم منذ عقود، ومع ذلك تلبسون عباءة تمثيل الأسر وكأنّ في الأمر مسرحية تراجيدية يُعاد عرضها دون جمهور.
أنتم لستم آباء… أنتم شهود زور. أنتم جدار الصمت الذي يخنق أنين التلميذ. تختبئون خلف واجهات براقة، تحضرون حفلات نهاية الموسم، تلتقطون الصور مع الإداريين، ثم تعودون إلى صمتكم الأزلي. لا مواقف، لا بيانات، لا مرافعات، لا مبادرات، لا وقفات. فقط انتظار للحظة تخرجون فيها لتدينوا… لا الظلم، لا البؤس، لا الفساد… بل لتدينوا صوتًا نطق دفاعًا عن كرامة القسم.
ما أنتم إلا صدى مشوّه، كيان ورقيّ، غطاء هشّ لفراغ كبير. لو كنتم أمناء فعلاً، لخلعتم عباءات التمثيل، وتحدثتم عن الحقائق كما هي. لكنكم اخترتم الرضا، الرضا بالصمت، والرضا بالتخاذل، والرضا بلعب دور “الهيئة المحترمة” التي لا ترى إلا ما يناسب مصالحها الضيقة.
أي تمثيل هذا الذي لا يُحرّك ساكنًا حين يُهدد مستقبل التلميذ؟ أي شرعية تملكونها وأنتم صامتون عن وجع المدارس، عن خراب الفصول، عن قلة الأساتذة، عن امتهان الكرامة التربوية في أوضح صورها؟
كفى كذبًا… أنتم لا تُمثلوننا. لا تُمثلون أبناءنا. أنتم وجه آخر من وجوه الخذلان، خذلان التلميذ حين يحتاج من يدافع عنه، لا من يتفرج عليه يتعثر ويسقط بصمت.
لقد سقط قناعكم… فإما أن تخرجوا من صمتكم دفاعًا عن المدرسة، أو أن تخرجوا منها كليًا، وتتركوا هذا المشهد لأصحاب النية الصادقة، الذين ما زالوا يرون في التلميذ أملاً لا ورقة سياسية.
التعليقات مغلقة.