الانتفاضة/ كوتر الداوودي/ صحفية متدربة
تعتبر شجرة الأركان إرثا ثقافيا مغربيا خالصا، فهذه الشجرة المباركة تستوطن المغرب فقط من قديم الأزل، شجرة عابرة للعصور تقف شامخة في الجنوب المغربي أمام جفاف المنطقة و تغير الطبيعة، شجرة شكلت حياة الانسان و المكان، فكيف لا و هي “الذهب السائل”.
و أمام أهميتها الصحية و فوائدها الغذائية و الطبية و التجميلية، اكتشف العالم أعجوبة زيت الأركان المغربي، الذي لا زالت النساء المغربيات تستخرجنه بالطريقة التقليدية التي توارثنها جيل بعد جيل بدءا بتجفيف الثمار تحت حرارة الشمس، ثم تقشيرها ثم هرسها ثم سحق البذرة و طحنها بالحجارة.
و مع تزايد الطلب العالمي عليه، و تسابق شركات التجميل العالمية المختصة في العناية بالشعر و البشرة و كذا ماركات التجميل على تضمينه ضمن تركيباتها، سارعت الشركات الاجنبية إلى الاستثمار في هذه الصناعة، خاصة الشركات الفرنسية التي تستحوذ اليوم على 70 بالمائة من إنتاج السوق المغربي.
إن تفويت تسويق زيت الاركان المغربي للشركات الفرنسية أضر بشكل كبير بالتعاونيات النسائية المحلية التي تعمل في إنتاج هذه الزيت بالطريقة المحلية التي تأخذ الكثير من الجهد و الوقت، ففي عشر سنوات فقط، انخفضت حصة التعاونيات المغربية التي تنتج و تسوق زيت الأركان لصالح الشركات الفرنسية من 80 في المائة عام 2008 إلى 18 في المائة فقط سنة 2018.
الشركات الأجنبية تقوم بشراء زيت الأركان بأثمنة بخسة من التعاونيات مقابل إعادة تعبئتها و ترويجها عالميا بأثمنة خيالية، إذ يصل سعر اللتر الواحد إلى 2500 درهم، بينما لا يتجاوز ثمن سعر اللتر داخليا ما بين 300 و 500 درهم، و هذا يوضح الانخفاض الكبير في هامش الربح لدى التعاونيات العاملة في انتاج الاركان.
استحواذ الشركات الأجنبية على سوق الاركان المغربي كان قد وصل للبرلمان، و جاء على لسان وزير الفلاحة أنه سيأخذ بعين الاعتبار مطالب المنادين بتمكين المرأة القروية العاملة في تعاونيات إنتاج الاركان من عائدات مالية أفضل، في ظل استفراد و احتكار الشركات الاجنبية لحصة الأسد من عائدات “الذهب السائل”.
هذه الشركات الأجنبية المهيمنة على سوق الاركان تستغل فراغا في تنظيم التسويق، حسب وزير الفلاحة الذي أكد أن الحكومة تهدف إلى حماية حقوق نساء التعاونيات، مشددا على ضرورة تغيير بنية سوق الاركان، عن طريق التثمين التي يفضي إلى رفع مستوى استفادة النساء العاملات في هذا القطاع.
إن شجرة الاركان هي منتوج مغربي خالص، و هي جزء من هوية 3 جهات مغربية، و بالتالي أليست هناك في المغرب بالكامل أشخاص أو شركات مغربية قادرة على تثمين و تسويق هذا المنتوج المغربي، بما يضمن أن يحقق تنمية اقتصادية و اجتماعية لمناطق هذه الشجرة، و بالتالي أن يحقق عائدات صافية لمملكة دون وسيط أجنبي.
إن تغييب الشركات المحلية عن تسويق هذه الثروة، فتح المجال أمام الشركات الاجنبية لاستغلال الاركان بطريقة لا تراعي خصوصية هذه الشجرة و أهدافها المستدامة، حتى أنه قبل أعوام كان زيت الاركان يصدر إلى الخارج عبر صهاريج كبيرة و يعبئ في الخارج مما حرم المملكة من عائدات التثمين لسنوات طويلة.
و تراهن الحكومة على رفع نسبة التثمين إلى 60 بالمائة، و ذلك بعدما منعت الحكومة تصدير زيت الاركان الغير المعبئ دون ترخيص خاص، و ذلك لضمان تثمينه، بحيث إن تعبئته في قوارير صغيرة تمكن من توفير فرص شغل للنساء العاملات في القطاع.
اليوم أصبح لزاما على الحكومة وقف هذا الاستحواذ الأجنبي على هذا المنتوج، و أخذ إجراءات أكثر جدية لحماية تعاونيات الأركان، لأنها جودة الاركان و شهرته نابع من طريقة إنتاجه التقليدية، مع أنها تطلب وقتا أطول، فاستخراج لتر واحد من الاركان يتطلب 40 كيلوغرام من الثمر. و نذكر هنا أن شركة لوريال الضخمة لمستحضرات التجميل، تعهدت بشراء جميع ما تحتاجه من زيت الأركان من التعاونيات الصغيرة، الموقعة على الحفاظ على مبادئ التجارة العادلة.
و في الاخير، فالحفاظ على التعاونيات التقليدية العاملة في انتاج الاركان هو السبيل لحفاظ على شجرة الاركان باعتبارها تراثا ثقافيا غير مادي للانسانية و مصدرا موروثا للتنمية المرنة و المستدامة، خاصة مع اعتماد الجمعية العامة للامم المتحدة العاشر من ماي يوما عالميا لشجرة الاركان.
التعليقات مغلقة.