الانتفاضة // حميد حنصالي
في خطوة تنمّ عن بُعد نظر وحرص صادق على مصلحة المواطنين، قرّر أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله، إعفاء المغاربة من أداء شعيرة الأضحية لهذه السنة، نظرًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد، وتخفيفًا للعبء المادي على الفئات المعوزة ومحدودة الدخل.
إنه قرار حكيم، منسجم مع روح الدين، التي تجعل الإستطاعة شرطًا في أداء الشعائر، وتُقدّم الرحمة والإعتدال على مظاهر التكلّف والتظاهر.
غير أن ما أعقب هذا القرار الملكي، من تهافت غير مسبوق على شراء اللحم في الأسواق والمجازر، كشف عن مفارقة صادمة، حيث فقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم في بعض المناطق 150 درهمًا، فيما وصلت أثمان أجزاء من الذبيحة – مثل “الدوارة” و”الرأس” – إلى حدود خيالية فاقت 700 درهم. مشهد يفرض علينا طرح سؤال جوهري: هل كانت الأضحية شعيرة يُبتغى بها وجه الله؟ أم موسماً لإشباع البطون؟
ردود الفعل التي كان يُنتظر أن تتسم بالتفهّم والرضا، أبانت عن حقيقة مقلقة: كثير من المواطنين لم يكونوا يتعاطون مع الأضحية باعتبارها عبادة خالصة، بل عادة إجتماعية موسمية مرتبطة بالشواء والتفاخر والتجمعات العائلية.
لقد تحوّل المشهد من تعبير عن التقوى، إلى سباق محموم على غقتناء أجزاء الذبيحة، بأسعار تتجاوز أحيانًا ثمن الأضحية نفسها!
هذا التناقض بين رُشد القرار الملكي وإرتباك السلوك المجتمعي، يُظهر أن شريحة واسعة من الناس ربطت الأضحية باللحم لا بالنية، وبالعادة لا بالعبادة، وهو ما يطرح تساؤلًا حادًا: إذا كانت النية هي أساس القبول، فبأي نية إقتنى الناس لحمًا يفوق سعره قدرات الطبقة المتوسطة؟ وإذا كانت الأضحية تُقرّبنا إلى الله، فهل شراء “دوارة” بسبعمائة درهم يُقرّبنا إلا من فوضى السوق وغلاء المعيشة؟
لقد أعفانا قرار أمير المؤمنين من ذبح الأضاحي، لكنه لم يُعفِنا من ذبح مظاهر التكلّف، والأنانية، والإزدواجية بين الشعيرة والشهوة، بين العبادة والمباهاة. إننا اليوم أمام لحظة تأمل حقيقية: هل نعيد ترتيب أولوياتنا؟ هل نُقدّم روح الدين على مظاهره، والعبادة على الوليمة، والنية على اللحم؟
إنها دعوة صريحة إلى أن نُراجع علاقتنا بالشعائر، لا كطقوس إستهلاكية، بل كقيمة أخلاقية وروحية تنبع من القلب، لا من المعدة.
التعليقات مغلقة.