“حكومة الفراقشية”

الانتفاضة // يوسف لبيتي

سنة 2015، بعد الانتخابات الجماعية بجماعة وجدة، أطلق عبد العزيز أفتاتي على عبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق السابق لقب إسكوبار المخدرات، ملمحا إلى كون بعيوي مول الحملة الانتخابية من أموال المخدرات.
بناء على كلام افتاتي، رفع بعيوي دعوى قضائية ضده بتهم السب والشتم مطالبا بتعويض مدني قدره 500 مليون سنتيم، وتم الحكم ابتدائيا على افتاتي بشهرين موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، قبل أن تقضي محكمة الاستئناف ببراءته سنة 2019.

لكن لم يتم أخذ كلام افتاتي حول علاقة بعيوي بالاتجار بالمخدرات على محمل الجد، ولم يتم فتح أي بحث أو تحقيق في ذلك، رغم أن التصريح صادر عن رجل له وزن سياسي كبير، حيث كان نائبا برلمانيا وقياديا بالحزب الأول أنذاك بالمشهد السياسي المغربي.
لننتظر حتى نهاية سنة 2023، ليتم اعتقال عبد النبوي بعيوي في ما يعرف بملف إسكوبار الصحراء، بعدما أثارت جرائد إعلامية دولية القضية وأصبحت شوهتنا على كل الألسن، كدولة بها مسؤولون كبار متورطون في الاتجار الدولي بالمخدرات.
فما الذي منع النيابة العامة والأجهزة الأمنية من التحرك الجدي وكشف الأمر بشكل استباقي، خصوصا أن تصريح افتاتي لم يكن من فراغ وإنما مبني على مؤشرات كانت معروفة ومتداولة بالشرق تربط بعيوي بتجارة المخدرات؟
ولو لم يتحدث المالي أحمد بن ابراهيم المعتقل منذ سنة 2019، هل كان سيتم كشف بعيوي ؟ أم أنه كان قد يكون وزيرا اليوم بعد التعديل الحكومي الأخير على غرار زميله في الكفاح “حجيرة”.

ما حصل بين أفتاتي وبعيوي، شهده أيضا ملف الأستاذ الجامعي أحمد قيلش الذي اعتقل هذا الأسبوع مفجرا فضيحة المتاجرة بالشواهد الجامعية، التي هزت التعليم العالي وشوهت صورة وسمعة الجسم الأكاديمي المغربي؛ حيث أنه في سنة 2018 أثار أستاذ آخر زميل لقيلش بنفس الكلية، في تدوينة له على الفايسبوك، مسألة فساده ومتاجرته بالشواهد، مما دفع سي قيلش إلى التوجه إلى القضاء الذي أصدر حكما ابتدائيا قضى بإدانة الأستاذ بتهمة القذف والسب العلني عن طريق وسائط إلكترونية، في حق الأستاذ قيلش، وحكم عليه بغرامة مالية قدرها 30.000 درهم وتعويضا مدنيا قدره 100.000 درهم لفائدة الطرف المشتكي.

قضيتا بعيوي وقيلش، هما مجرد مثالين من مئات الأمثلة التي يجب أن تسائلنا عن جدية ومصداقية إرادة الدولة في محاربة الفساد، وكيف يتم استعمال القضاء للتضييق على الأصوات التي تحاول التبليغ عن الفساد وترهيبها وإخراسها، بدل التفاعل الجدي والفعال مع كلامها الذي يكون غالبا مبني على مؤشرات قوية.
والسؤال المطروح هو كم من ملف فساد كبير ومتوسط وصغير، تم إقباره والتغاضي عنه والتقصير في التفاعل معه وحماية أصحابه رغم التبليغ عنه؟ وكم من مناهض للفساد تم إخراسه بالقضاء وترهيبه؟

وهذا يحيلنا على النقاش الدائر هذه الأيام حول المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، التي لجأ من خلالها السيد عبد اللطيف وهبي وحكومة الفراقشية، إلى التشريع لحماية الفساد عبر منع الجمعيات وهيئات حماية العام ومحاربة الفساد، من التبليغ عن جرائم المال العام، وهذا يساهم في تغول الفساد وتحصينه وكبح الأصوات المناهضة له والتضييق عليها وتكميم أفواهها.

الفساد هو أكبر خطر على الدولة وكلفته كبيرة جدا، خصوصا عندما يصبح بنيويا وقويا متغولا داخل هياكلها على كل المستويات، والمصيبة أعظم بكثير عندما تصبح مؤسسات الدولة في يد “حكومة فراقشية” تشرع لحماية الفساد وتعمل على تكريسه وتقوية نفوذه وتحصينه بالقانون، وتكبيل كل آليات مكافحته وترهيب مناهضيه، وإصدار قوانين وقرارات على المقاس لخدمة لوبيات تضارب المصالح.

التعليقات مغلقة.