حميد المهداوي.. حين يُحاكم الضمير بصيغة مفرد

الانتفاضة // فؤاد السعدي

ليست محاكمة، بل مرآة مكسورة تعكس خوف السلطة من مجرد سؤال. ليست جلسة قضائية، بل لحظة انكشاف: ماذا تبقى من دولة تقول إنها ديمقراطية بينما تجرّ صحافيًا إلى قفص الاتهام لأنه لم يصفّق؟

حميد المهداوي لا يحتاج إلى تضامن بارد، بل إلى اعتراف، هو الآن في المقدمة نيابةً عنّا جميعًا. لا يترافع عن نفسه، بل يفتح صدره ليقذف الحجر في بركة الخوف. كلماته ليست دفاعًا، بل مقاومة ناعمة، عنيدة، وصامتة أحيانًا، لكنها لا تُكسر.

حين يسير صحافي نحو المحكمة حاملاً رأسه، لا ملفه، فإن شيئًا في هذا البلد ينكسر، أو ينهض. المهداوي لا يطالب بامتياز، فقط بحق. لا يطلب عطفًا، فقط عدلًا. لا يبتز الدولة، بل يضعها أمام صورتها.

كم يلزم من المحاكمات حتى تفهم السلطة أن الصحافة ليست عدوًا؟ كم يلزم من الأحكام لتفهم الدولة أن الحقيقة لا تبيت في الزنازين؟ ما الذي تخشاه السلطة من رجل يكتب على فيسبوك، ويُشاهد عبر يوتيوب؟ إنها تخاف من العدوى.. عدوى الجرأة.

في كل محاكمة مثل هذه، يتراجع جدار الثقة. تنكمش آمال الإصلاح. يرتفع رصيد الصمت، وينخفض منسوب الحلم.

ما نحتاجه الآن ليس فقط تضامنًا مع المهداوي، بل تآزرًا لحماية ما تبقى من الكرامة في هذه المهنة. لا نريد أن نُدفن أحياء في عبارات من قبيل “القانون فوق الجميع”، بينما القانون يُستخدم لقصّ أجنحة من يطير خارج السرب.

حميد المهداوي ليس مجرد صحافي. إنه اختبار، جسارة، تميمة، وربما آخر ما تبقى من صحافة ترفض أن تتحول إلى مهنة الخضوع.

نقف اليوم لا فقط معه، بل معه كرمز لما يجب أن نكون عليه، عنيدين في الدفاع عن الحق، صاخبين في وجه الظلم، ومؤمنين بأن حرية الصحافة ليست مطلبًا.. بل قدر.

التعليقات مغلقة.