الانتفاضة/ كوثر الداودي
منذ انطلاقه سنة 2006 من طرف الملك محمد السادس، أصبح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس ( SIAM ) أكبر تظاهرة فلاحية في المغرب و افريقيا، فكل عام يستعد حوض أكدال بعاصمة الزيتون لاستقبال آلاف الزوار في معرض أنشئ بتوجيهات استراتيجية لإعطاء دفعة للفلاحة المحلية المغربية، و يعزز من إشعاع المملكة في ضمان الأمن الغذائي في افريقيا خاصة و العالم عامة.
قبل يومين، ترأس ولي العهد افتتاح الدورة الـ16 للمعرض الدولي للفلاحة، الذي تستضيفه المدينة من 22 إلى 28 أبريل الجاري، تحت شعار “المناخ والفلاحة.. من أجل نظم إنتاج مستدامة وقادرة على الصمود”، و الذي يقام على مساحة 12.4 هكتار، ويعرف مشاركة 70 بلدا و1500 عارض، مع تنظيم 40 ندوة ومائدة مستديرة.
و لأن القطاع الفلاحي يمثل حوالي 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بالمغرب، فالمغرب يراهن على المعرض الدولي للفلاحة لمواكبة هيكلة هذا القطاع الحيوي، و نقصد هنا مبادرة المغرب الأخضر، و الجيل الجديد، و كذلك دعم الفلاحين الصغار و المتوسطون، من خلال تخصيص أروقة مهمة للتعاونيات الفلاحية لعرض و تسويق منتجاتها، و كذلك التوجه الجديد المتمثل في الفلاحة الرقمية كرهان جديد يقود مستقبل الزراعة و الفلاحة بالعالم.
إن كل هذا المبادرات و المشاريع التي أطلقها المغرب في السنوات الأخيرة للنهوض بالقطاع الفلاحي و تحديثه، و المروج لها داخل فضاءات المعرض الدولي للفلاحي بمكناس، تعكس توجها هاما و سياسة أراد بها المغرب مواكبة التحديات العالمية و تأثيراتها على الأمن الغذائي للشعوب خاصة مع التغيرات المناخية و تصاعد النزاعات في مناطق كثيرة بالعالم، و ما لنتائج ذلك على تدمير الزراعة و المحاصيل، و هو ما يمكن أن يزج بالعالم إلى حرب جديدة “حرب الجوع”.
المعرض الفلاحي بمكناس منذ انطلاقاته الأولى كانت البلدان الافريقية مشاركا منتظما و معتادا بالمعرض، ّإذ كل سنة يتوافد المشاركين الأفارقة على المعرض من بلدان كثيرة كالسينغال و غانا و نيجيريا و تنزانيا و الكوت ديفوار…لعرض منتجاتهم الفلاحية و الزراعية، فأفريقيا بمساحاتها الشاسعة تضم أراض خصبة تؤهلها لتكون أكبر مصدر للطعام في العالم.
إن تقاسم الخبرات و التجارب في المجال الفلاحي بين الدول الافريقية لمشاركة في المعرض و المغرب، و كذلك الدول الاخرى المشاركة في المعرض خاصة الاوروبية و دول امريكيا الجنوبية من خلال الاجتماعات و الموائد المستديرة المنظمة سنويا موازاة مع الحدث الفلاحي، هي من الرهانات الكبرى التي يريد المغرب كسبها، لجعل افريقيا قارة ذات فلاحة عصرية و مبتكرة، و لضمان الامن الغذائي فيها.
الدراسات تؤكد أن أفريقيا قارة مهددة بالجوع، و في مطلع هذه السنة، نشر كل من برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في بيان مشترك أن 55 مليون شخص غرب ووسط أفريقيا سيكافحون من أجل توفير الطعام خلال الأشهر المقبلة، و بالتالي، فالأمر أصبح جديا و خطيرا أكثر من أي وقت مضى.
و لهذا، فالمعرض الفلاحي بمكناس يعد فرصة أمام الدول الافريقية للاستفادة من خبرات الدول الاخرى في هذا المجال، و كذا اغتنام فرصة التطور التكنولوجي في الآليات الفلاحية. من جهة أخرى، يعد تكييف الفلاحة مع التغيرات المناخية أحد النقط التي تشغل المشاركين في نسخة هذا العام.
و يذكر أن المغرب يعتبر من أكبر المستثمرين في المجال الفلاحي في افريقيا، خاصة عبر المكتب الشريف للفوسفاط، الذي يستحوذ على 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، و الذي تبلغ حصته في السوق العالمي للفوسفات حوالي 31%. المكتب أسس فرعه OCP Africa في عام 2016، لتعزيز القدرات الزراعية على نحو مستدام في جميع أنحاء القارة السمراء، ومواجهة تحديات الأمن الغذائي، و هو ما يتوافق مع الرؤية الاستراتيجية للمغرب إزاء أفريقيا، و التزامه كفاعل محوري فيها بالدفاع على مصالحها و ضمان أمنها من كل النواحي.
التعليقات مغلقة.