محاكمة الدراما العربية

drama

الانتفاضة/رضاب نهار

الدراما المصرية تشهد صحوة إبداعية في العديد من أعمالها الأخيرة، مقتربة من الشارع المصري وراصدة أنماطه وماضيه وحاضره ومستقبله من خلال قصص وحبكات قوية وجادة ومسؤولة.

لم يعد يخفى على أحد ما تعانيه الدراما العربية الراهنة من مشاكل وعوائق تحدّ من تفاعلنا معها كما كنا قبل سنوات ماضية، وعلى الرغم من أن سبب تراجع هذه العلاقة قد يعود بنسبة كبيرة إلى التطور المعيشي الحاصل وإلى الثورة التكنولوجية التي غزت بلادنا حتى صرنا منساقين إليها طيلة النهار والليل، إلاّ أن السبب في الوقت نفسه يعود إلى وجود مشاكل في الدراما المقدمة ذاتها، وفي طريقة تقبلنا ومتابعتنا لها، مع التأكيد على استحالة التعميم.

لا يمكننا أن نبدأ الحديث بالمبالغة، فنقول إن حياة الإنسان العربي في الماضي -وتحديدا قبل الربيع العربي- كانت بسيطة وبالتالي كان قابلا للاستجابة الدرامية والتفاعل مع أنماطها ومع ما تطرحه من مواضيع وشخوص، أيا كانت، فالحياة بالطبع لم تكن يوما بسيطة لأي إنسان عربي، وكأن المأساة خلقت لأجله هو، لكن صعوبتها مهما كانت كبيرة سابقا، لا تقارن بما نعيشه اليوم من مشاهد وأحداث تفوق التوقعات وتفوق الخيال قسوة ووحشية وقذارة، على الأقل بالنسبة إلى معظمنا، حيث الجرح صار أكبر من أن تعكسه الشاشة الصغيرة.

وبالتالي ثمة واقع سرق منا عفويتنا وسذاجتنا، إن صحّ التعبير، ووضعنا أمام المأساة بأبشع صورها وأكثرها فظاعة، وصرنا نطالب الدراما بالحقيقة ونحاكم تلك الأعمال التي لا تقترب منها، ونعلن سقوطها في العلن، الأمر الذي أتاحته لنا وسائل التواصل الاجتماعي، حيث الجميع صار بإمكانهم التعبير، فنرفع ما نشاء ونسقط ما نشاء.

وسواء شئنا أم أبينا، فثمة وعي جمعي أطلّ على مجتمعنا العربي مع الثورات العربية التي كشفت المستور وفضحت الخبايا، فبات كل شيء يحتمل الشك واليقين معا.

لم نعد مأخوذين بالحبكات المشوّقة ولم نعد أولئك الرومانسيين الذين يذوبون مع كل فراق أو لقاء على شاشاتنا التي تبثّ إلينا الأخبار الموجعة، نحن اليوم أكثر حنكة وقدرة على تتبع خيوط الحبكة الدرامية خطوة خطوة، وأقدر على تفصيل عناصر العمل الدرامي، كأن نقول الإخراج هنا في هذا العمل، من حيث الإضاءة والكاميرا معني بالحدث أكثر من أداء الممثلين أنفسهم، وفي عمل ثان قد نجد الموضوع لا يتواءم مع الطريقة الإخراجية، وفي آخر نكتشف نقاط ضعف النص أو الأداء أو أي كان، وهكذا.

تقلّصت المسافة الشاسعة بيننا وبين نجوم التمثيل إزاء مواقفهم السياسية التي أفصحوا عنها في السنوات الخمس التي خلت، أي أن الأقنعة سقطت، ولم نعد معنيين بأدائهم الرائع أو المقيت، أكثر مما نحن معنيون بإنسانيتهم على أرض الواقع، ففقد النجم معناه على الشاشة وانهارت هالته المؤطرة لحضوره في السابق، وصارت محاكمته دراميا أمرا لا بد منه، وقليلون جدا هم الذين مازالوا يستطيعون الفصل بين الموقف السياسي والأداء التمثيلي للممثل العربي، خاصة في الدرامتين السورية والمصرية.

تختلف الدراما العربية حسب جنسية كل منها، بما يخصّ المتوقع والنتائج القائمة، وذلك نظرا لاختلاف ظروف البلدان العربية واختلاف ظروفها الدرامية، فمن الدراما الخليجية التي تعاني عيوبا واضحة في تكرار المواضيع والممثلين والخروج عن منطقية الأداء في الكثير من الأعمال، إلى ما يسمى بالدراما المشتركة والتي غالبا ما تجمع بين ممثلين من لبنان وسوريا ومصر لتجسيد حبكات مأخوذة عن أفلام وأعمال أجنبية، لا تمت للواقع العربي بصلة، ويتم تصويرها وفق تجربة الدراما التركية لجذب المشاهدين فقط، فضلا عن الكوارث التي تحدث في معظم أعمال الدراما السورية، حيث تغدو الحوارات المصاغة بين الشخصيات، قادمة من كوكب آخر وكأن الدمار الذي يشهده السوريون يوميا لا يعنيهم أو لا يعلمون به أصلا.

ووسط هذه المعمعة والفوضى الرهيبة، تشهد الدراما المصرية صحوة إبداعية في العديد من أعمالها الأخيرة، مقتربة من الشارع المصري وراصدة أنماطه وماضيه وحاضره ومستقبله من خلال قصص وحبكات قوية وجادة ومسؤولة، وبعضها مأخوذ عن روايات لكبار الأدباء العرب، الأمر الذي يبشّر بالخير فعلا.

صحافية سورية مقيمة في الإمارات

التعليقات مغلقة.