قراءة في كتاب…العلمانية تحت المجهر – لـ عبد الوهاب المسيري

0

الانتفاضة

“يشكّل كتاب “العلمانية تحت المجهر” سجالاً فكرياً بين اثنين من أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين: عبد الوهاب المسيري، وعزيز العظمة. يدور النقاش حول مفهوم العلمانية: دلالاته، تطبيقاته، وحدوده في السياق العربي والإسلامي. ينطلق الكاتبان من خلفيتين مختلفتين؛ فالمسيري يرى العلمانية باعتبارها مشروعاً فكرياً غربياً ذا أبعاد شمولية ونزعة مادية قد تفرغ الإنسان من معناه الروحي، بينما يرى العظمة أن العلمانية ضرورة تاريخية وشرط أساسي للحداثة والديمقراطية.

الكتاب يعرض جدلية فكرية بين رؤيتين متعارضتين، تكشف عن التوتر القائم في الفكر العربي بين التراث الديني ومتطلبات الدولة الحديثة.

المحاور الرئيسية

1. إشكالية المصطلح: العلمانية كفكرة غربية أم كقيمة كونية؟

المسيري: يوضح أن العلمانية لم تنشأ في فراغ، بل هي ابنة التجربة التاريخية الأوروبية التي شهدت صراع الكنيسة مع الدولة والعلم. ومن ثمّ فإن نقلها إلى العالم العربي “كما هي” يمثل اقتلاعاً من السياق.

العظمة: يرى أن العلمانية ليست مجرد منتج أوروبي بل قيمة كونية مرتبطة بتحرير العقل، ويمكن أن تتجذر في أي سياق حضاري، بما في ذلك الإسلام.

2. بين “العلمانية الجزئية” و”العلمانية الشاملة”

المسيري يقترح تمييزاً بين علمانية جزئية تقتصر على فصل الدين عن الدولة، وعلمانية شاملة تمتد لتفصل الإنسان عن القيم والروح، محوِّلة العالم إلى مادة بلا معنى. هذه الأخيرة – حسب رأيه – أخطر على لأنها تُفكك البنية الروحية والمعنوية.

العظمة يردّ بأن هذا التفريق “مصطنع”، وأن أي فصل للدين عن الدولة هو خطوة نحو تحرير الفرد والمجتمع، ولا يعني بالضرورة إلغاء الدين من المجال الثقافي أو الاجتماعي.

3. العلمانية والسياسة العربية

المسيري: يرى أن العلمانية في العالم العربي لم تدخل من بوابة التجربة الديمقراطية أو من خلال نقاش فلسفي وفكري حر، بل فُرضت من أعلى عبر السلطة السياسية.

العظمة: يرى أن إخفاق التجارب العربية ليس نتيجة للعلمانية نفسها، بل لغياب الديمقراطية والمؤسسات الحديثة. ويؤكد أن التيارات الدينية لم تقدّم بديلاً أفضل، بل غالباً ما أعادت إنتاج السلطوية باسم الدين.

4. علاقة العلمانية بالدين

المسيري: يعتبر أن العلمانية ليست حيادية كما تدّعي، بل تنطلق من رؤية مادية للعالم تقصي البعد الغيبي. لذلك، فهي بطبيعتها على تضاد مع الدين.

العظمة: يرى أن هذا التصور مبالغ فيه، وأن العلمانية لا تناقض الدين بل تنظّم العلاقة بينه وبين الدولة. في رأيه، يمكن أن يبقى الدين حاضراً في المجتمع كقوة روحية وأخلاقية، دون أن يتحكم في المؤسسات السياسية.

الخلاصة

كتاب “العلمانية تحت المجهر” ليس مجرد عرض لمفهوم العلمانية، بل هو مواجهة فكرية تكشف عمق الانقسام في الفكر العربي حول علاقة الدين بالدولة والمجتمع. المسيري يقدّم رؤية نقدية تخشى من ضياع المعنى الروحي في ظل العلمنة الشاملة، بينما العظمة يؤكد أن العلمانية ضرورة تاريخية لضمان الحرية والعدالة.

تكمن قيمة الكتاب في أنه يضعنا أمام تعدد الأصوات ويكشف التوترات بين الهواجس الدينية والثقافة الحديثة.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.