على مسؤوليتي…

0

الانتفاضة //  عبد الكريم علاوي

يجمع العديد من المراقبين على أن الأزمة الحقيقية التي تعيشها الأحزاب السياسية المغربية اليوم لا تتعلق فقط بضعف أدائها التمثيلي داخل المؤسسات المنتخبة، بل أساساً بعجزها عن استقطاب الشباب وتأطيرهم سياسياً. فجيل “زيد” ومن سبقه أو لحقه، هو نتاج طبيعي لحالة نفور واضحة من الممارسة السياسية، انعكست في عزوف انتخابي مقلق وفقدان الثقة في جدوى العمل الحزبي.

أحد أبرز الأسباب وراء هذا النفور يكمن في **ضعف آليات الاستقطاب والتأطير** داخل الأحزاب، مقابل استمرار ظاهرة *الترحال السياسي* حيث يتنقل السياسيون بين الأحزاب وفق حسابات ظرفية ومصلحية، ما يكرس صورة سلبية لدى الشباب بأن السياسة ليست مجالاً للتنافس على البرامج والأفكار، بل لتوزيع المنافع والمواقع.

الأحزاب، عوض أن تفتح أبوابها أمام الطاقات الشابة والكفاءات القادرة على تجديد الخطاب السياسي، انحرفت عن مهامها التأطيرية واكتفت باحتضان المقربين والموالين تحت منطق “باك صاحبي” و”هذا ديالنا”، بعيداً عن معايير الكفاءة والاستحقاق. هذه الممارسات أفرغت المؤتمرات الحزبية من مضمونها الديمقراطي، وحولتها إلى محطات لتكريس الترضيات ووحدة الصف المصطنعة، بدل أن تكون فضاءات للتنافس الحر على القيادة وصنع القرار.

ومن جهة أخرى، يبرز **غياب تجديد النخب** كعامل أساسي في اتساع الهوة بين الأحزاب والشباب. إذ أُبعدت النخبة المثقفة عن الشأن الحزبي، إما بسبب تضييق داخلي أو نتيجة لفقدان الثقة في إمكانية التغيير من داخل المؤسسات الحزبية نفسها. النتيجة كانت عزوفاً متصاعداً لجيل كامل يرى السياسة فضاءً غير منتج ولا يستجيب لطموحاته.

هذه المعضلة ليست مسؤولية حزب بعينه، بل هي معطى عام يشمل كل الفاعلين الحزبيين في المغرب، وآن الأوان أن يُقابل بجرأة وروح رياضية عالية.

المطلوب اليوم هو إعادة النظر في السياسات الموجهة للشباب، وتبني آليات شفافة وديمقراطية قادرة على إدماجهم بشكل فعلي داخل البنية الحزبية، بدل الاكتفاء بشعارات فضفاضة لا تجد صدى في الواقع.

إن مستقبل الممارسة السياسية في المغرب مرهون بقدرة الأحزاب على **رد الاعتبار لدورها التأطيري**، وتجديد خطابها وأساليب عملها، وإعادة بناء الثقة المفقودة مع الشباب. وإلا فإن ظاهرة العزوف ستتفاقم، لتقود إلى فراغ سياسي يهدد بمزيد من تهميش العمل الحزبي وتراجع تأثيره في المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.