الانتفاضة // ذ إدريس المغلشي
تعتبر حوادث السير ومخلفاتها المؤثرة على الحياة العامة للبلاد من النقط السوداء، وأهم المعيقات التي تحول دون كسب الرهانات والتحديات.
ففي ظل ارتفاع مهول ومخيف لعدد القتلى والجرحى والخسائر المادية من خلال ماقدمته المصالح المختصة، التي تبين بالملموس أننا لم نحقق الأهداف المسطرة، حيث واصلت المؤشرات خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية منحاها التصاعدي، مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2024، إذ تم تسجيل ارتفاع في عدد القتلى والمصابين بجروح بليغة، و ذلك بنسبة تناهز 21 في المائة.
كما تم تسجيل أكثر من 143 ألف حادثة سير جسمانية، أي بارتفاع قدره 16,22 في المائة مقارنة بسنة 2023، مخلّفة بذلك 4 آلاف و24 قتيلا بزيادة قدرها 5,37 في المائة مقارنة مع السنة نفسها.
فالارقام والإحصائيات تتزايد دون أن نقف على أسباب ارتفاعها، بل يبقى المسؤول في منصبه ولا أحد يحاسبه، فنحن فعلا في بلد إستثنائي، ليبقى السؤال، ما السر في الإبقاء على مسؤول رغم النتائج الكارثية؟
منذ تعيين “بولعجول” أول مرة في هذا المنصب في ماي 2019، من لدن وزير النقل أنذاك، “عبد القادر عمارة”، عن حزب العدالة والتنمية، حيث كان قبل ذلك كاتبا دائما للجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، التي تحولت لاحقا إلى وكالة (نارسا)، حيث ورغم حصيلته المثيرة للجدل، فإن وزير النقل واللوجستيك الحالي، “محمد بن عبد الجليل” زكاه لهذا المنصب لفترة جديدة.
و يبدو من خلال تشخيص موضوعي محايد لهذه المعضلة التي تستنزف مقدرات الدولة، وتخلف وراءها خسائر مادية وبشرية، أننا لم نستطع بعد الحدّ من نزيف هذا الإشكال، دون التكلم عن القضاء عليه أو التخفيف منه.
فالسبب الأول راجع بالأساس إلى منهجية المعالجة و التشخيص، فلا يُعقل أن نبقي عليها لنتوقع منها نتائج مختلفة، كما أنّ الأمر الثاني، أي عامل الزجر لوحده لايكفي، فالإكثار من الرادارات التي لاشك أنها تضخ في ميزانية الدولة أرقاما مهمة على حساب ارواح وضحايا، لم تحل الإشكال بقدرما تعمق الأزمة، بالإضافة إلى ذلك، لايمكن الإحتفاظ بفريق إستنفذ كل قوته الإقتراحية دون أن يحقق أهدافه .
أما نحن، فنتساءل في ظلّ هذا الوضع الشاذ، من يصرّ على الإحتفاظ بنفس التشكيلة رغم فداحة النتائج ؟
فالامر لا يتحقق بالولاء السياسي بقدر ما يحتاج لكفاءات وطنية، تستشعر خطورة الإشكال وتجد له حلا ناجعا وفوريا، فكل تأخير لذلك يسبب كلفة مضاعفة.
ولفهم سياق الإبقاء على مسؤول أثبث فشله لمدة ليست باليسيرة، سنقوم بتحليل معطيين مهمين، فالمعطى الأول هو أن الأستاذ “ناصر بولعجول”، يعتقد يأن السبب الرئيسي في ارتفاع مؤشرات حوادث السير هو السرعة، وهو أمر توضحه الإجراءات التي قام بها من خلال زرع عدد كبير من الرادارات بمختلف أشكالها وأنواعها وقيمتها المالية في أماكن لا إنارة فيها ولاطريق معبدة بشكل يوفر إنسيابية السير والجولان، ما دفع البعض في إطار السخرية بالقول (لعكر ولخنونة).
أما الأمر الثاني، فيتمثل في ما نشهده في الآونة الأخيرة، من مصادرة أنواع من الدراجات التي تم تعديل سرعتها، وهنا يبرز سؤال أساسي، ألا وهو من رخص إستيرادها ؟
ولماذا لم تواكب القوانين هذا الجانب، فعلى ما يبدو، نحن أمام وضعية تحتمل فرضيتين، حيث تتمثل الأولى في كون القوانين متأخرة بكثير مقارنة بوسائل أخرى أكثر فعالية، وهو ما يجعلنا لانكتشف خطورتها إلا بعد أن تفرز لنا نتائج صادمة، وهو أمر يسائل المسؤول الحكومي، كيف يدبر شؤون الدولة؟
أما الأمر الثاني إن صحّ، فما نعيشه خطير، فإذا كان هم الحكومة هو الجانب المالي لسد العجز، ولو على حساب أرواح الناس، فتلك طامة كبرى تستوجب المساءلة، يبدو أن من طالبوا بفرق في مهمة إستطلاعية، بعد فشل برنامج محاربة حوادث السير، يعرفون أكثر منا الأسباب، لكنهم للأسف جبناء وصامتون في إطار الإنتهازية والصفقات السياسية ولو على حساب أرواح الأبرياء، إنه المغرب يا سادة أجمل بلد في العالم ..!
التعليقات مغلقة.