الانتفاضة //بقلم: النقابي والفاعل التربوي – ربيع ازكي
في وقت تراكم فيه الوزارة الوعود وتفرغ الحوار من مضمونه، يمعن المسؤولون في التنصل من الإلتزامات الموقعة، وكأن الإتفاقات مجرد حبر على ورق.
فما يجري اليوم ليس تأخرا عرضيا، بل سلوك ممنهج يجسد إستخفافا صارخا بحقوق نساء ورجال التعليم، وآخر حلقاته منع الدكاترة من إجتياز مباريات التعليم العالي، دون سند قانوني أو مبرر أخلاقي.
منذ سنوات، والوزارة تتعهد، وتوقع، وتلتزم، حتى باتت الوثائق الموقعة كأوراق الخريف، تسقط دون أن تثمر. ملفات معلقة كنجوم بعيدة في سماء النقاشات، لكنها لا تهدي سبل الحل، بل تزداد بعدا كلما اقتربنا منها. والواقع أن ما يروج هذه الأيام من تلكؤ غير مبرر في تنفيذ ما تم الاتفاق حوله بين الوزارة والنقابات، لم يعد أمرا عرضيا، بل صار منهجا يتكرر، حتى أصبحت الثقة ضربا من السذاجة، والمراهنة على النية الحسنة وهما قاتلا.
ففي بلاغ مشترك صدر عقب جولة الحوار بتاريخ 14 يناير 2024، أكدت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أنها «ملتزمة بإيجاد حلول عاجلة ومنصفة للملفات العالقة، وعلى رأسها ملف الدكاترة العاملين بالقطاع، بما يضمن إستفادتهم من الحق في الترقية الأكاديمية والتدريس بالتعليم العالي».
غير أن الواقع، وبعد مضي أكثر من عام، يكذب النصوص، ويكشف أن التنفيذ كان مجرد وعد مرهون بالخطاب لا بالفعل.
آخر تجليات هذا البرود الوزاري تجلت في إمتناع الوزارة عن منح التراخيص للدكاترة العاملين في قطاع التعليم، لاجتياز مباراة التعليم العالي.
هذا القرار، وإن لم يعلن رسميا في بيان واضح، إلا أن عشرات الشهادات النقابية والمراسلات المرفوضة تكشف عن سياسة غير معلنة: سياسة الحجر على الطموح.
وفي مذكرة سابقة رقم 751/21 الصادرة بتاريخ 3 نونبر 2021، كانت الوزارة قد أكدت أن “الدكاترة الموظفين يشجعون على الترشح لمباريات التعليم العالي وفق ما يسمح به النظام الأساسي”، وهو ما يجعل من المنع الحالي، إنقلابا صريحا على ما سبق التصريح به، دون أي بلاغ توضيحي، أو مبرر قانوني معلن.
ما المعنى من أن يمنع أستاذ دكتور من إرتقاء سلم البحث العلمي، وقد أفنى عمره بين السبورة والمختبرات؟ أهو عقاب على الطموح؟ أم جزاء على الإلتزام الأكاديمي؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه امتدادا لذلك المنطق الإداري العقيم، الذي يرى في الموارد البشرية أرقاما لا أحلاما؟
إن ما يجري اليوم ليس مجرد سوء تدبير، بل هو نكوص عن تعهدات، وضرب لمبدأ تكافؤ الفرص، وخنق لطموحات فئة من خيرة أطر الوطن، الذين آمنوا أن العلم رسالة، وأن الرقي لا ينال إلا بالكد والسهر.
من منظور نقابي، هذا السلوك ليس فقط إخلالا بالوعود، بل هو تراجع خطير عن فلسفة إصلاحية يفترض أن تجعل من الكفاءة معيارا، ومن الشفافية سبيلا. لا يعقل أن يكافأ الإخلاص بالمماطلة، وأن يجاب الإلتزام بالتجاهل، فيما تصدح الخطب الرسمية بمفردات “الحكامة” و”الإرتقاء بالمنظومة”.
ففي التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (يناير 2025)، ورد أن “ضمان جودة التعليم، رهين بتحفيز العنصر البشري، خاصة في صفوف حاملي الكفاءات العليا”، إلا أن هذه الرؤية تبدو معلقة بين الورق والواقع، لا تجد إلى التنفيذ سبيلا.
فإلى متى نظل نطالب بالحقوق ذاتها التي سبق للوزارة أن أقرت بأحقيتنا فيها؟
وإلى متى سيبقى “الإنتقال من الأقوال إلى الأفعال” شعارا يزين البلاغات ولا يلامس الواقع؟
إننا كفاعلين في الحقل النقابي، لا نملك رفاهية الصمت. ومن واجبنا، لا فضلا، أن نرفع الصوت عاليا: كفى من العبث بالزمن المهني، كفى من التلاعب بأحلام رجال ونساء التعليم، وكفى من تحويل الحوار إلى مسرح مكرر بلا نهاية.
التعليقات مغلقة.