يتناول الاستاذ محمد عبيد بالنقاش والتحليل موضوعا بالاهمية بمكان، وظل لسنوات وسيظل من المشكلات التي تؤرق البلاد والعباد لما لهذه المادة الحيوية من اهمية في حياة كل الكائنات الحية، كما يتناول الكاتب اهم التحديات المطروحة على البلاد والعباد من اجل ايجاد الحلول المناسبة الرامية الى ترشيد مادة الماء حتى لا يقع الجميع في المحظور…قراءة ممتعة…
كان المغرب على مدى عقود نموذجا عالميا في إدارة المياه، ذلك ان سياسة السدود التي اتبعت منذ السنوات الأولى للاستقلال للمملكة أتاحت أن تتفاوض بشكل أفضل مع سنوات الجفاف الكبرى منذ الثمانينات خلال القرن الماضي، إلا أن تغير المناخ وتأثير موجات الجفاف المتكررة في السنوات الأخيرة قد وضع قدرات المغرب على المحك.
وتحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك، قامت الحكومة بتجريب البرنامج الوطني للتزود بالمياه الصالحة للشرب والري 2020-2027، بهدف تسريع وتيرة هذا البرنامج وتحديث اتساقه باستثمار إضافي هام لميزانيته الإجمالية بقيمة 143 مليار درهما.
إن الجهود العامة التي مكنت البلاد حتى الآن من مقاومة حجم التحديات يجب أن تكون مصحوبة بمشاركة أكبر لجميع أصحاب المصلحة.
لقد أصبح بذل جهد كبير لترشيد استهلاك المياه أكثر من ضروري من جانب الجميع، لأنه من المستحيل اليوم الاستمرار في استهلاك الموارد المائية وكأنها مصدر لا ينضب.
وربما يكون هذا الوضع هو الذي يدفع الحكومة الآن إلى إصدار إشارة إنذار مبكر.
إن التغييرات الكبيرة التي تطبع النظام الهيدرولوجي تحتم على المغرب، بالإضافة إلى ضرورة تعبئة ملائمة وتدبير عقلاني للمياه حتى يتمكن من تلبية الحاجيات من هذه المادة الحيوية لمواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، التصدي للضغوطات التي ما فتئت تتعرض لها هذه الموارد بصفة دائمة بأنواع كثيرة من التلوث بسبب قذف المياه العادمة المنزلية والنفايات الصناعية في المجال الطبيعي بدون أدنى معالجة. كما يعد الاستعمال المفرط للأسمدة الطبيعية والصناعية في الميدان الفلاحي، فضلا عن الجفاف الذي تسبب في نذرة المياه، فان التلوث الناتج عن الحوادث من أهم المشاكل التي تهدد وفرة وجودة موارد المياه.. ناهيك عن التغيرات المناخية يمكن أن تتسبب في اختفاء 80% من موارد المياه المتاحة في المغرب خلال 25 سنة.
ويشهد المغرب هذا العام أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود، والوضع مرشح للأسوأ في أفق السنوات القادمة في ظل توقعات تشير إلى انخفاض نسبة الأمطار وارتفاع سنوي للحرارة… ويبقى واقع حال اليوم ظاهرة الجفاف الذي لم تشهد البلاد مثله منذ عقود، حيث لا مفر من جفاف الآبار..
وهكذا صارت الموارد الموائية بالمغرب ضعيغة، واصبحت تعد من بين أضعف الموارد في العالم، حيث يعد من بين البلدان التي تتوفر فيها أقل نسبة من الماء لكل نسمة، وفق بيانات رسمية لوزارة التجهيز والماء، وتقدر الموارد المائية في المغرب بـ22 مليار متر مكعب في السنة.
وتقدر الموارد المائية السطحية بمجموع التراب الوطني في السنة المتوسطة بـ18 مليار متر مكعب، وتتراوح وفق السنوات من 5 مليارات متر مكعب إلى 50 مليار متر مكعب.
وتمثل المياه الجوفية حوالي 20% من الموارد المائية التي تتوفر في المملكة، ويبلغ حاليا مخزون المياه الجوفية القابلة للاستغلال 4.2 مليارات متر مكعب في السنة. وفي المغرب حاليا 149 سدا كبيرا بسعة تخزينية تفوق 19 مليار متر مكعب وسدود متوسطة وصغيرة ومشاريع لتحلية مياه البحر في 9 محطات تعبئ 147 مليون متر مكعب في السنة، بالإضافة إلى آلاف الآبار والأثقاب لتعبئة المياه الجوفية.
وكان تقرير للبنك الدولي حديث كشف أن المغرب وصل إلى حالة “الإجهاد المائي البنيوي”، ويعيش صعوبات لمواجهة الكارثة التي تضرب المملكة.
وكان أن قال نزار بركة وزير التجهيز والماء، خلال الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس الأخير (21 دجنبر 2023):“وصلنا إلى وضعية صعبة وخطيرة جدا فنسبة ملء السدود لا تتجاوز 23.5٪ و3 مليار و750 مليون متر مكعب السنة الماضية التي كانت جافة أيضا كنا في نسبة31٪ من نسبة الملء”، مشيرا إلى أن “بعض المدن المغربية مهددة بانقطاع تزويد الساكنة بالمياه بسبب التراجع غير المسبوق في الواردات المائية”…. ومتحدثا على أن الحكومة ستتوجه نحو اتخاذ إجراءات جديدة ومشددة لترشيد استهلاك الماء وضمان عقلنة استعماله لضمان التزود بالماء الصالح للشرب”.
والوضعية هكذا لقد صار واجبا علينا كمواطنات ومواطنين ومجتمع منظم وغير منظم أن نتحرك نحو وعي حقيقي لإعداد أنفسنا والتعامل بشكل أفضل مع حالات الجفاف التي من المؤسف أن تستمر مع كل المخاطر التي يمثلها ذلك لأغلى ما لدينا اليوم: “الماء”.
التعليقات مغلقة.