الانتفاضة
الممر الوحيد الذي يربط ورزازات وزاكورة بمدينة مراكش هو الطريق الوطنية رقم 9 التي تمر عبر جبل تيشكا. وكل أبناء هاتين المدينتين وقاطنوها ملزمون عند الرغبة في زيارة بهجة الجنوب، بالمرور من هذا المعبر المرعب على امتداد كلمتراته، حيث تلتقي رداءة الطريق ووعورة المنعرجات مع ضعف بعض وسائل النقل التي تعبرها، فتجد مقولة «الداخل مفقود والخارج كأنه مولود» تجسيدها على طول الكلمترات التي يعبرها كل مضطر لطريق الموت.
صخور الجبل توحي بالشموخ، لكنها ترتفع لإعلان التحدي، لكل من رغب في خوض السباق، أو دخول التنافس. سباق لا يعتمد على طي المسافات بسرعة، بقدر ما يتطلب اليقظة واستمرار الإمعان. “هْنَا طاح الكار”، هكذا أراد سائقنا ومرشدنا التأكيد على دقة المكان، ليدرك مرافقوه أنه لم يكن من مجال للإفلات من الهلاك أو عند أخف الضرر، الخروج بإصابات بليغة.
فالرحلة من مراكش إلى ورزازات تفرض على من يخوضها قطع ممر تيشكا، لأنه المعبر الوحيد الرابط بين مراكش وورزازات . لكن السائقين الذين خبروا تفاصيلها يحفظون منعرجاتها ويعرفون قوة انحدارها أو علوها. الولوج إلى تيشكا يفرض طقوسه على مستعملي هذه الطريق. طبعا فالسير في هذه الطريق له طقوس لابد للعابر أن يستسلم لها، ولامجال لأي تعنت في مجابهتها. منعرجات تيشكا تفرض على جميع السائقين التريث، والسير ببطئ شديد. فالسرعة القصوى لن تتعدى هنا 40 كلمترا. وقد تنخفض لكي لا تتجاوز العشرين. وكل مغامر بالضغط على المحرك أكثر، حتى إن خبر الطريق، يضع نفسه في خانة التهور غير المحسوب العواقب، في طريق تستعصي على المجابهة، لأنها تقهر المتعنتين، وتصطاد الغافلين. أما المتهورون فقد يجدون أنفسهم في العقر السحيق سريعا.
منعرجاتها تيشكا تتجاوز التسعين منعرجا، بزويا حادة لا تتيح أي امكانية للرؤية في بعض المنعرجات. وإذا التقت في منعرج حافلتان أو شاحنات تسيران في اتجاهين مختلفين، فلابد لإحداهما من التنازل ـ قسرا وليس طوعا ـ وأن تتراجع لتفسح الطريق للثانية، فالتجاوز أشبه بالمستحيل عند المنعرج..
https://www.youtube.com/watch?v=JuXH8xN82Ow
التعليقات مغلقة.