انضمام المغرب إلى “سيدياو” .. تأشيرةٍ سياسية لا تُغني عن بقية المساطر القانونية

الانتفاضة/متابعة

في اجتماعهم الدوري الواحد والخمسين المنعقد بعاصمة ليبريا مونروفيا يوم الأحد 4 يونيو 2017، أعطى رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “سيدياو” موافقتهم، من حيث المبدأ، على طلب العضوية الذي تقدم به المغرب في 24 فبراير الماضي. ورغم ما قد يبدو من ترابط بين هذا القرار وعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في 31 يناير المنصرم، فإنّ انفتاح المغرب على مجموعة “سيدياو” يعود إلى العام 2005، تاريخ انضمامه إليها كعضو ملاحظ.

غير أنّ هذه الخطوة، وعلى أهميتها، تعتبر مجرد تأشيرةٍ سياسية لا تُغني عن بقية المساطر القانونية. لذلك ستتلوها سلسلةٌ من المفاوضات التقنية تهم كلّ قطاع وزاري على حدة، للتأكد من استيفاء الشروط وتحديد التزامات كلّ طرف، وقياس انعكاسات الانضمام ووقعه الاقتصادي على الدول الأعضاء. لذلك نقرأ في البيان الختامي لهذه القمة: “وطلبوا -أي الرؤساء-من المفوضيّة دراسة الآثار المترتبة على هذا الانضمام، وتقديم النتائج في الدورة المقبلة” التي ستنعقد في الطوغو في ديسمبر المقبل.

أكيد أنّ الانتماء إلى هذا الفضاء سيعطي للمغرب إمكانيات إضافية لطاقاته التصديرية تجاه مجموعة إقليمية تحتل المرتبة العشرين عالمياً، من خلال ناتج خام داخلي يقدر بحوالي 800 مليار دولار، وتحقق تجارة بينية تصل إلى 10% من إجمالي تجارتها الخارجية حسب معطيات البنك الدولي؛ وهي نسبة لازالت أقل من نظيراتها في الاتحاد الأوربي، مثلاً، التي تبلغ 60%، أو “الميركوسور” في أمريكا اللاتينية الذي يحقق 19%. لكنها تبقى أفضل من التجارة البينية بين الدول المغاربية التي لا تتجاوز 3% بسبب معاكسة الجزائر لوحدة المغرب وسلامة أراضيه في الصحراء.

إنّ الانضمام إلى سوق بهذا الحجم سيوفر للشركات المغربية تنافسية أكبر للاستثمار في مجالات لازالت شِبه عذراء، مثل قطاع البنيات التحتية الذي يعاني من عجز كبير مقارنة مع مستوى التجهيز في القارات الأخرى. وبالتالي هي فرصة جديدة للاقتصاد المغربي، إذا أحسن استغلالها، لتجاوز عتبة 4.5% كمتوسط لمعدل النمو الذي حققه في العشرية الماضية، والتطلع نحو عتَبة 7% التي ستشكل مفتاحَ الإقلاع الاقتصادي، والحلَّ لمعضلة البطالة حسب رأي معظم الاقتصاديين.

وإذا كان العائد الاقتصادي بالنسبة للمغرب لا يجادل فيه أحد، فإنّ هناك الكثير من الجوانب التي من المُفترض أن تكون قد خضعت للدراسة والتحليل من طرف الدولة المغربية لتفادي وقعها السلبي المُحتمل، أو على الأقل لاستشراف الحلول المناسبة والإجراءات المصاحبة لها.

ومن جملة النقاط التي قد تثير التوجس أو الجدل مسألة العملة الموحدة في أفق 2020، ومسألة حريّة تنقل الأشخاص بين دول هذه المجموعة التي يصل تعدادها إلى أزيد من 300 مليون نسمة. ونحن نعلم الإشكالات المرتبطة بالهجرة نحو أوروبا التي يشكل المغرب منفذاً رئيساً بالنسبة للمنحدرين تحديداً من دول غرب إفريقيا والساحل.

أمّا المكاسب الدبلوماسية والجيوسياسية لهذا الانضمام فلا تخفى على أحد، سواء بالنسبة لقضيتنا الوطنية أو بالنسبة لمكانة المغرب التي يتوقع أن تتعزّز على الساحة الإفريقية والدولية. ولكن ما زالت هناك مناطق الظلّ التي تثير بعض المخاوف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حالة الإهمال أو البرودة التي تعرفها علاقاتنا الدبلوماسية مع جارتنا الجنوبية موريتانيا؛ فمشروع انضمامنا إلى مجموعة “سيدياو”، يقتضي أن تكون موريتانيا في قلب الاستراتيجية الإفريقية للمغرب لأسباب عدة، منها ما هو مرتبط بالمعطيات الجيوسياسية للبلدين، ومنها ما هو جغرافي أو اقتصادي صِرف.

وقد رأينا بعضاً من المخاطر المتربصة بنا بمناسبة أحداث الكركرات، التي قد تُشكل، إذا لم يتم احتواؤها نهائياً، مدخلاً للنظام الجزائري لعرقلة المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز مثلاً. لذلك يبدو غريباً وخطيراً أن تُترك الحلقة الموريتانية فارغة في المشروع الإفريقي للمغرب، أو على الأقل أن يتم تأجيلها إلى حين، في الوقت الذي كان ينبغي أن تكون في صدارة الأولويات، وأن تتبوأ المكانة اللائقة بالعلاقات الاستراتيجية والعائلية التي تجمع بين الجارين.

ولعلّ تقديم موريتانيا مؤخراً لطلبها بالعودة إلى مجموعة “سيدياو”، يشكل المدخلَ الملائم لتدارك ما فات، وفقاً لاستراتيجية مندمجة بعيدة عن ردود الفعل وعن دبلوماسية “التويزة” الموسمية التي جنَت كثيراً على قضايانا الحيوية، وعلى رأسها قضية وحدتنا الوطنية. فكلّ الظروف تسمح بتوطيد التعاون الشامل والتكامل الاقتصادي بين الجانبين كمقدمة لاندماجهما في التجمع الواعد لغرب إفريقيا.

وحتى لا تتكرّر أخطاء الماضي، ينبغي أن يتمّ ذلك في ظلّ الوضوح والشفافية بين الطرفين حول القضايا الاستراتيجية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية والعلاقة مع السنغال ودول الجوار والأمن والاستقرار الإقليمي وبقية الملفات المثيرة للجدل.

التعليقات مغلقة.