الحكومة وأخواتها و معضلة البطء المزمن

0

الانتفاضة // إلهام أوكادير

من يُمعن النظر جليًّا في المشهد الإجتماعي الحالي، يجد أن ساحة النقاشات والندوات والمؤتمرات التي تجري الآن بمختلف جهات المملكة، تعجّ بجملة من المواضيع والمقترحات التي تخص وضعية المرأة المغربية داخل مجتمعنا، فضلا عن بعض الجهود المُستحدثة، التي تهدف إلى النهوض بأوضاعها الإجتماعية، والتي تتجلى في محاربة العنف والرفع من قيمة عمل النساء داخل البيوت، وهو الأمر الذي لا يكاد يبلغ صداه مسامع الحاضرين.

فهي شعارات إيجابية وتتحدث عن أبعاد إجتماعية هامة، نجد المرأة المغربية في أمسّ الحاجة لها، نظرا لما تتعرض له من تهميش وقلة اعتبار في المجمل، ليس فقط في الفترة الحالية، بل منذ أزمنة طويلة، لم تخجل خلالها الأجهزة المعنية من أدائها الوهن بخصوصه.

وإذا ما طرحنا اليوم سؤالا بسيطا بخصوص ما تم تطبيقه وتنزيله إلى حدود اليوم من إجراءات وقوانين غيرت بالفعل من واقع النساء بمختلف فئاتهم داخل المجتمع، لربما وجدنا الصفحة فاضية. وحتى لا يتمّ اتهامنا بنكران ما تم إقراره من تعديلات يُفترض فيها أنها تصون كرامة المرأة، فنحن نعيد تركيز السؤال على جُزئية التنفيذ الحقيقي و الملموس على مستوى الواقع، لا على الورق.

فلعل أبرز ما يجعل القوانين والتعديلات والتتميمات التي تتردد على مسامعنا عبر نشرات الأخبار المتكررة، هو ذاك البُطء والتعطيل المُزمن، الذي يواكب تنفيذ وتنزيل القرارات، والذي يجعلنا لا نلمس حقيقية تأثير هاته التغييرات المسطريّة، ولا مدى نجاعتها في التخفيف من الأزمة التي تهدف علاجها أو حلها.

فالتعطيل يسود الأداء الحكومي والوزاري والجمعوي والاداري والمؤسساتي وغيره، وحتى لا نُخفي ما في صدورنا من عتب على هذه الدينامية البطيئة، سنطرح تساؤلا بديهياً، لطالما تردد على ألسنة المواطنين البسطاء، الذين لا تتعدى تعابيرهم و تعاليقهم على الأمر، “لينا الله” و “الحمد لله على كل حال” و “الله يهدي ما خلق”.

وهذا السؤال البسيط والبديهي مفاده: لماذا تحتاجون في كل مرة تنوون فيها إجراء تغيير معين، الى القيام بالعديد من الاجتماعات واللقاءات والجموع العامة والخاصة واجتماعات اللجان، والتنقل للعاصمة الرباط أحياناً، والمرور بمراحل ثم مراحل إلى مراحل، فقط لتتداولوا الأمر فيما بينكم وتجمعون عليه، دون أن نخوض في مراحل الإقرار والصدور في الجرائد الرسمية و الإشعارات الادارية و ..و…..و…..

لماذا كل هذه التعقيدات المرحلية والبروتوكولية التي لا تزيد الأوضاع إلا تأزُّما؟ لماذا البطء؟ فيما يخدمنا التهاون في حسم الأمور والقرارات الحساسة التي ترتبط بالمواطن وواقعه المرير؟ ألا يكفي ما يعيشه من تعقيدات حياتية شلت أوضاعه الإقتصادية، ليجد نفسه مُربّطا حتى اجتماعيا؟

ربما كان مُنطلقنا هو قضايا المرأة المطروحة حاليا بمختلف الندوات الجهوية، لكننا توسعنا في الأمر لنلمس مكامن الخلل كافة، وذلك لأننا نجد في أحيان كثيرة، أنّ ما يُعيقنا فعلا عن التغيير بعد صدور أي تعديل، هو بطء التنفيذ الفعلي له، ليس فقط في قضايا المرأة وهي ما اتخذناه كمنطلق للنقاش، بل في جميع القضايا التي تخص الاحوال الإجتماعية للمواطن، في حين لا نجد هذا البطء مطروحاً فيما يتعلق بالقطاعات المختلفة، التي تنتظر من المواطن أداءات مالية فورية او اقتطاعات او مخالفات، تتهاون في الاستجابة للمطالب و انتهاج الردور الفورية اللازمة على قضايا الفساد التي تُطرح أحياناً كثيرة للعموم بالدليل والبرهان، لكنها تعاقب من ينتقدها على ذلك، وهو الأمر الذي لا يمكن نكرانه كوننا نعيشه.

فهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن الأجهزة المعنية بالأحوال الإجتماعية للمواطن، تمتلك بالفعل ما يلزم من الحنكة والوسائل التنفيذية التي تمكنها من إقرار أي قانون، والعمل على تطبيقه في صبيحة اليوم الوالي، كون الأمر يهمها ويُعنى بمصالحها العامة، إلا أنها تجد حرجاً كبيرا وتعقيدات لا متناهية، تتطلب مُدداً زمنية واسعة واجتماعات، وتشكيل لجان، لاقرار و تنفيذ إجراء أو الحسم في أمر مجتمعي بسيط يخص المواطن. ما هذا التناقض؟ فإما أن تكون قادرة أو غير قادرة.

كل هذا، في زمن بات يُعرف بالسرعة و التجدد المتواصل، حيث يقوم رؤساء دول عظيمة بإقرار قوانين آنية وحاسمة في دقائق معدودة، ليتمّ الإعلان عنها ليلاً أو صباحا، عبر تغريدة أو تدوينة بسيطة على المنصات الرسمية لهم، بمجرّد أن يبدو الأمر منطقيا وفي صالح المواطن الأجنبي، لتُطرح مباشرة إلى علم العامة، ودونما الحاجة الى الإجتماعات الفارغة والمراحل البروتوكولية وغيرها من المساطر الطويلة التي لاتزال مجتمعاتنا تقبع بها.

فأين نحن من هذه السرعة؟ وأين نحن من الفاعلية؟ وأين نحن من التكنولوجيا التي لم تنفعنا بالقدر المطلوب؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.