.الحسن عبيابة: الوطن أولا .. وخروج الشباب للتعبير عن مطالبهم لايعني إطلاقا ان المغرب يعيش وضعا غير عادي كما يسوق له أعداء المغرب في الداخل والخارج

0

الانتفاضة

إن المتابع لحركية التاريخ السياسي للشعوب يدرك أن التغيير جزء من الدينامية السياسية والإجتماعية، نظرا
للتحولات الإجتماعية والإقتصادية التي تحدث بالطبيعة ، كما أن تغيير المعطيات الاقتصادية والاجتماعية من فترة زمنية لأخرى أحيانا تفرض التغيير ،وبالتالي فإن تحرك أي فئة مجتمعية معينة من أجل تحقيق بعض المطالب الأساسية فهو أمر طبيعي جدا، كما أن هذا التحرك يشير بأن المجتمع متحرك ويتابع مطالب الحياة اليومية التي أصبحت هي المطلب الأول في كل المجتمعات سواء كانت هذه المجتمعات مقدمة أم غير متقدمة ، وهذا مانراه في فرنسا وفي إسبانيا وفي غيرها من الدول الأوروبية الديموقراطية ، ويعتبر الأمر طبيعيا، فخروج الشباب للتعبير عن أنفسهم لايعني إطلاقا بأن المغرب يعيش وضعا غير عادي كما يسوق لذلك أعداء المغرب في الداخل والخارج،فقط تبقى الدولة مسؤولة عن ضبط الأمن العام وعدم الإخلال بالقوانين الجاري بها العمل، وهذا مايقع في الدول المتقدمة وفقا لضوابط معينة ،إذا كان الأمر كذلك فماذا يمكن أن يقال عن المغرب وما يحدث فيه حاليا من خروج شباب من جيل جديد للمطالبة ببعض الإحتياجات الأساسية، بعيد عن الجدل القائم بين مؤيد ومعارض وبين التحاليل الإنطباعية والعاطفية ، يمكن القول أن طبيعة مايحدث في المغرب لايخيف أحدا لأننا في دولة المؤسسات وفي دولة تتوسع فيها الحرية التعبير يوما بعد يوم ، وهذا يتجلى في يكتب في الجرائد المغربية الرسمية والخاصة يومياوفي وسائل التواصل الاجتماعي والجميع يشهد بهذا،لكن حرية التعبير يحميها القانون وفي نفس الوقت يمنعها إن إنحرفت عن القانون ،وكما يقول العلماء “درأ المفسدة تقدم عن جلب المصلحة “، فشبابنا بكل فئاته من حقه التعبير عن نفسه وعن حقوقه ،لكن في دولة القانون هناك آلية قانونية يضمنها الدستور للتغيير والإصلاح وهي الآلية الديموقراطية التي تقوم بتغيير البرلمان وتغيير الحكومات وتغيير المجالس المنتخبة كلها، وهذه الآلية هي الديموقراطية ، وتتمثل في الإنتخابات والمشاركة فيها بكثافة لإنتخاب كفاءات وطنية مؤهلة أو لدخول الشباب بنفسه في المؤسسات التي تدبر الشأن المحلي المباشر وهذا هو المطلوب،ولا يختلف أحد في أن جلالة الملك محمد السادس إستبق في خطابه بمناسبة عيد العرش لهذه السنة وشخص وضعية المغرب في جملتين هما أن المغرب “يسير بسرعتين سرعة جد عالية وسرعة ضعيفة”.

يبقى السؤال كيف نقارب بين السرعتين في مجال التنمية وفق الرؤية الملكية ؟

رغم النقاش الواسع حول مستوى التنمية ببلادناوبالرغم من أن كل جهة تتحدث بما تراه تحليلا صحيحا لتقييم مستوى التنمية ببلادنا ، إلا أنه من الناحية العلمية الموضوعية ووفق العديد من الدراسات والبحوث والمؤشرات من داخل المغرب وخارجه يتضح جليا بما لايدع مجالا للشك بأن المغرب خلال 25 سنة الماضية قد حقق إنجازات كبيرة على مستوى التنمية الإقتصادية والإجتماعية في العديد من المجالات وفي عدد من مناطق المغرب الجغرافية،ويمكن أن تستعين بخرائط المغرب العمرانية والطرقية والصناعية قبل 25 سنة والأن سواء تعلق الأمر بالمدن أو بالعديد من القرى ليتأكد كل مواطن من ذلك ، هذا لايعني أننا بلغنا التنمية الشمولية للمجال المغربي المترامي الأطراف، أو تجاوزنا معدلات مهمة من مؤشرات التنمية البشرية، ولكننا في طريق صاعد رغم العديد من الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية، وإذا إعتمدنا في تحليل التنمية المستدامة المجالية من منظور الجغرافية الإقتصادية والإجتماعية نجد أن المغرب من الدول القليلة التي عرفت نموا مجاليا على مستوى جغرافية المغرب ، ورغم العديد من الخلاصات التي تقدمها الدرسات كل سنة عن مستوى التنمية بالمغرب.
إلا أن تشخيص جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش لهذه السنة 2025, لوضعية المغرب الإقتصادية والإجتماعية في كون المغرب يسير بسرعتين ويجب التوفيق بينهما، ويعتبر هذا أهم تشخيص لوضعية المغرب الحالية،ويمكن تفسير السرعتين في مجال التنمية الاقتصادية في كون السرعة الأولى يقودها جلالة الملك تتمثل في المشاريع المهيكلة الكبرى والبنية التحتية والتوجهات الإستراتيجيات والاقتصادية ذات البعد الإقليمي والدولي يدركها الجميع في الداخل والخارج، وبين سرعة لازالت ضعيفة على مستوى التنمية البشرية في العديد من المناطق بالمغرب،لكن هذه السرعة من المسؤول عنها عمليا وميدانيا، هذا الحديث يجرنا إلى الأجهزة والمؤسسات التنفيذية التي تعمل مباشرة على تطوير وتقوية التنمية المحلية دستوريا وسياسيا، بحيث نجد أن الجماعات المحلية هي المعنية بالدرجة الأولى بالتنمية المحلية وجميع المجالس المنتخبة والجهات والبرلمان والمؤسسات العمومية القطاعية، بالإضافة إلى المجتمع المدني، لأن تقوية السرعة الضعيفة تتطلب أيضا سرعة الوعي وسرعة إستعاب القانون وسرعة إستعاب المرحلة المقبلة، وسرعة استعاب المخاطر المحدقة بالمغرب وسرعة فهم المغالطات التي يروجها أعداء المغرب والرد عليها .
من أجل محاولة لتوضيح بعض المعطيات لابد أن نشير بأن العالم يتكون من 185 دولة التي تعترف بها الأمم المتحدة هذا العدد من الدول معظمه توجد به هو الآخر سرعتان ، حيث نجد أن عدد الدول المتقدمة لاتتجاوز عشرين دولة المعروفة G20, أي حوالي 10%, والباقي ينتمي إلى السرعة الثانية أو يعيش بسرعتين ، حيث نجد قارة إفريقيا بكاملها تنتمي إلى السرعة الثانية،كما نجد أن أمريكا اللاتينية بكاملها تنتمى إلى السرعة الثانية، بالإضافة إلى أن جنوب شرق أسيا بما فيها الهند كقوة نووية توجد بها حوالي 80%, في مجال التنمية تنتمي للسرعة الثانية، بمعنى أن حوالي 80%, من دول العالم تنتمي للسرعة الثانية ، هذه المعطيات مدونة في تقارير البنك الدولي التي تصدر كل سنة تتحدث فيها عن مؤشرات التنمية الاقتصادية المتقدمة والمتخلفة وكل هذه المعطيات يمكن الإطلاع عليها في موقع البنك الدولي،أردت بهذه المعطيات أن أكد علميا وعمليا بأن المغرب ليس وحده الذي يعيش سرعتين مختلفتين في مجال التنمية، وأنه جزء من المنظومة الإقتصادية الدولة التي لازالت تشكل فيها السرعة الثانية الجزء الأكبر من إقتصادها، فبناء على الإحصائيات الرسمية التي تشير إليها تقارير البنك الدولي لسنة 2024, وغيره التقارير التي تصدر عن المنظمات الدولية المتخصصة في مجال التنمية،

نجد بأن معظم دول العالم أي بنسبة 85%, تعيش بسرعتين، وبجولة سريعة عن نجد أن دولا من دول G20 , تعيش هي الأخرى في مجال التعليم والصحة بالسرعة الثانية طبعا مع الفارق ، حيث خرجت الأطر الصحية ببريطانيا في احتجاجات عن تدهور قطاع الصحة نتج عنها إستقالة بعض المسؤولين، وحصلت نفس الاحتجاجات في إسبانيا واليونان في نفس القطاع، بل أن القطاع الوحيد الذي يثير جدلا في الولايات المتحدة الأمريكية هو التغطية الصحية والذي كان مادة دسمة للصراع الإنتخابي بين الجمهوريين والديموقراطيين.
إن تقوية السرعة الثانية ببلادنا تأتي بالحوار والآلية الديموقراطية دون غيرها، وهذا هو مصدر التغيير الحقيقي في الدول الديموقراطية حيث نجد أن مثلا في فرنسا في ظرف سنتين تشكلت خمس حكومات،لكن الموسسات لم تتوقف ،لأنها دولة المؤسسات ، ونجد في إسبانيا الجارة كذلك تم إعادة الإنتخابات ثلاثة مرات ، لأن هذه هي الآلية الديمقراطية الوحيدة لإستيعاب الأحداث السياسية والاقتصادية، كما أن بقاء حكومات لمدة طويلة غير مقنعة للشعب لم تعد مقبولة،لأن بعض الدراسات السياسية أجريت على مدة رئاسة الرئيس الأميركي لمدة أربع سنوات ، حيث ذهب البعض بأنها غير كافية لأي رئيس للقيام بتطبيق برنامجه ، فكان الجواب بأن الشعب الأميركي نفسيا لايتحمل مسؤولين منتخبين أكثر من أربع سنوات،ولأن الدول المتقدمة تعمل بالسرعة القصوى فقط للبقاء في المقدمة،وعليه فإن الزمن الدستوري لولاية الحكومة لم يعد يحقق السياسة المستدامة خلال الفترة ، كما الشعب لم يعد يتحمل حكومات تستمر أكثر من ثلاثة سنوات إذا فشلت في برنامجها السياسي والاقتصادي والإجتماعي ، وبالتالي فاللجوء إلى حل البرلمان وإعادة الإنتخابات البرلمانية قد يكون حلا دستوريا وتجاوبا مع الأحداث، بالعودة إلى كيفية النهوض بالسرعة الثانية،يجب علينا جميعا الإنخراط بكافة المكونات السياسية والاجتماعية والمجتمع المدني وفق الآليات الدستورية لإستيعاب المرحلة المقبلة، وذلك بمحاربة الفساد الإداريي والمالي ومحاربة اللوبي المشبوه الذي يقصى جميع المخلصين ويتأمر عليهم كيف ماكنت مناصبهم الوزارية والإدارية بمجرد أنهم رفضوا الإنخراط في الفساد والربع وأخلصوا للوطن، إن الحقيقة آتية لاريب فيها ومن تآمر على الوطن أوعلى المخلصين سيأتي يوما من يتآمر عليه ويكشفه التاربخ أمام الجميع، إننا قد حابنا الله دون غيرنا بوجود المؤسسة الملكية الحكيمة تنتصر دائما وتاريخيا للشعب المغربي المتشبث بثوابته الوطنية الراسخة ، ونتمى في هذه المرحلة أن تكون سرعة الوعي الوطني أقوى من سرعة التنمية ببلادنا.

 *** د.الحسن عبيابة.. أستاذ جامعي ووزير سابق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.