الانتفاضة // عبدالله الترابي – صحفي وكاتب ومقدم برامج مغربي)
للشماتة فيما يحدث لإيران (ومرة أخرى أعتبر نظامها بغيضًا ومن بقايا القرون الوسطى)، يحتج البعض بأن طهران تساند البوليساريو وأن عناصر من حزب الله كانت تدرب الميليشيات الانفصالية وتدعمها. ممتاز. إذن، حسب هذا المنطق، قضية الصحراء هي التي تحدد الكراهية أو الود مع دول العالم. فلماذا إذن ليس هذا المنطق عامًا وموحدًا؟ لماذا مثلاً لدينا تعامل إيجابي أو على الأقل محايد مع دول مواقفها سلبية ومعادية لقضيتنا الوطنية، كجنوب إفريقيا مثلاً؟ هذه الأخيرة من أكثر الدول الأفريقية دعمًا للطرح الانفصالي، وذلك جزء من عقيدتها الدبلوماسية منذ سنوات، ولكن هذا لا يمنعنا من الحفاظ على علاقات جيدة مع بريتوريا، ولدينا سفارة هناك، كما أن جنوب إفريقيا من أكبر الدول استثمارًا في المغرب، ونستقبل موتسيبي، وهو أغنى رجل في جنوب إفريقيا وصهر الرئيس الحالي للبلاد، استقبال الأصدقاء والأحباب، ونصفق لفرقهم الرياضية ومدربيهم بحرارة. نفس الشيء بالنسبة لنيجيريا ودول أخرى…
بطبيعة الحال، إيران ليست جنوب إفريقيا ولا نيجيريا، غير أن الأمر لا يتعلق إذن بقضية الصحراء، أو فلنقل أنها ليست المعيار المحدد للبغض أو الود.
هناك في نظري أسباب، بعضها واضح وأخرى ضمنية، لهذا العداء الحالي تجاه إيران والشماتة فيها:
– هناك الجانب العقدي، الذي يعتبر أن الشيعة أعداء مذهبيون ودينيون للسنة، تنبغي محاربتهم والفرح لمصائبهم. هذا المنطق السلفي لا يستحق حتى الرد عليه من منظور العلاقات مع الدول والأنظمة، لأنه يعيد تكرار أفكار عفا عليها الزمن، ولو اتبعنا عقيدة الولاء والبراء في العلاقات الدولية، لكنا في حرب ضد الجميع: نصارى ويهود وشيعة وبوذيين ومن يعبدون البقر والشجر!
– فئة ثانية، خليط بين ناشطين أمازيغيين ويسار سابق، لا تكاد تميز فيه بين الطرح الأيديولوجي والعبث و”الترولاج” الرقمي، تتغطى بشعار “تامغرابيت” وهي تتماهى منذ بداية الحرب في الشرق الأوسط مع إسرائيل وتفكر بمنطق عنصري مفاده “عدو عدوي، زوج أمي” و”أنا والقائد الإسرائيلي كنقتلوا مليون”، وهي لا تستحق حتى عناء النظر لها.
– يبقى في الأخير طرح يمكن النقاش معه فكريًا وسياسيًا، يتكلم باسم المصلحة الوطنية والواقعية السياسية، يعتبر أن إيران خصم استراتيجي وأن في إضعافها فائدة للمغرب وأن مصلحتنا مع إسرائيل.
هذا الطرح، كما هو الحال لكل ما يكون طلاؤه الخارجي قائمًا على وهم الواقعية والمنفعة المباشرة، لا يرى الكوارث العظمى التي تنتظر المنطقة في حالة انتصار ساحق لإسرائيل، حيث أن الدول العربية، بما فيها المغرب، لن تصبح شركاء وحلفاء لتل أبيب بل تابعين وخاضعين لها، وستتغول عسكريًا وأمنيًا وتكنولوجيًا في كل المنطقة بشكل يفقد الجميع سيادته وقدرته على اتخاذ القرار المستقل، لأن تعدد الاصطفافات والقوى يسمح لك دائمًا بحرية أكبر في الاختيار والتحالفات، بينما قوة واحدة مهيمنة لن تمنحك ذلك، وستصبح مرهونا بحساباتها ومزاجها الداخلي. إضافة إلى أن الوجدان الشعبي والرأي العام الغالب حاليًا في المغرب كاره لإسرائيل ورافض لها، ويمكن أن يستمر ذلك لمدة طويلة، ولا يمكن إذن للدولة المغربية أن تكون في تضاد مع هذا الوضع الداخلي، وهو ما يفسر التوازن الذي تتعامل به الدولة مع كل هذه القضايا.
وفي الأخير، وبكل واقعية وموضوعية: لو كانت إسرائيل في صراع مع الشيطان، فلن أشمت في الشيطان ولن أتمنى هزيمته، لأنك لن تجد شيطانا أكثر همجية و توحشا من اسرائيل.
التعليقات مغلقة.