الانتفاضة // صوفية الصافي
لطالما تساءلت في الماضي عن السبب الذي يجعل الغربيين و بالأخص نساءهم يصرخن، يبكين، و يفقدن الوعي بحضورهن لحفل غنائي لمغني أو فنان مشهور، حتى كتب الله لي عمرا و عاينت عن قرب المشهد بدولنا العربية، و ليس بعيد بمغربنا الحبيب، و كأنهن يشبهن حالهن بحال النسوة الآئي قطعن أيديهن عندما دخل عليهن نبي الله يوسف عليه السلام، و حاشا لله ان نفكر حتى لوهلة ان هؤلاء الفنانين يمكن ان يقارنوا بنبينا عليه السلام، لا خلقا و لا أخلاقا.
فالارتماء بأحضان هذا الغريب و الذي هو بالأصل فنان مشهور، أي ما نعرفه عنه هو فقط الفن الذي يقدمه: سواء غناء، مسرح، رقص، إلى غيرها من الفنون، لا نعرف عن حياته إلا ما يريدنا ان نعرفه عنها، هو الجنة فوق سطح الأرض، حضنه و قبلة منه لا تقاس بمقياس، و لا توزن بميزان لدى البعض الجاهل الغافل عن أبعاد فعله الشنيع، ربما سيصفني البعض “بالمعقدة” و المنغلقة عن الحياة، و لكن أنا اعبر هنا عن رأيي الشخصي و الذي أحاول من خلاله إيقاظ ما تبقى من ضمير بداخل هؤلاء الأشخاص الذين لا يقدرون قيمة أجسامهم، فالجسد هو ملك خاص و لا يسمح لأي كان ان يلمسه تحت أي ذريعة كانت، هو شيء مقدس، لا يجب ان نفقده قيمته بتقديمه على طبق من ماس لكل من هب و ذب، فما أدرانا بنوايا ذاك الشخص الذي نرتمي بين يديه و نشبع غرائزه الهوجاء و لعلنا نعي جيدا ان الحياة فاجأتنا لا لمرة أو اثنين برجال و نساء كنا نراهم بالزمن القريب، مثالا لعلو كعب الأخلاق و الالتزام بالدين الإسلامي، حتى يزال اللثام بثانية تكسر زجاجة الرؤية المثالية لهؤلاء الأشخاص.
فلعل آخر هذه الصور و التي تجسد ما سلف من سطوري، هو ما وقع خلف كواليس معرض الكتاب بدورته التاسعة و العشرين و المنظم بمدينة الرباط، خصوصا بحضور الفنان المصري محمد رمضان، فالحشود التي حضرت لرؤيته و سرقة حضن منه أو قبلة لا مثيل له، حتى لو قلنا ان المراهقين و المراهقات مازال ينقصهم الكثير لتتضح لهم الرؤية بخصوص أفعالهم، فماذا نقول عن أمهات تغافلوا عن دورهن بتقديم النصيحة والإرشاد لفلذات أكبادهن، و أصبحن يتسابقن للوصول للصفوف الأولى من اجل ترسيخ قيم الانحلال الأخلاقي و التشجيع عليه، و لعلها موضة قديمة جديدة دائمة البحث عن من يزيل التقاليد و الأعراف و التربية الحسنة، و يتزين بعادات و صفات دخيلة تمثل التقليد الأعمى في أبهى تجلياته.
مشاهد أخرى و لكنها اقل حدة تلك التي ارسلها شبابنا للعالم من خلال التجمهر بحفل توقيع الكاتب السعودي أسامة مسلم، نعي و نفهم جدا محبة القارئ للكاتب، و انه يريد ان يستغل فرصة وجوده بدولته للحصول على توقيع، و لكن لا يصل الأمر حد التدافع و الوقوف بطابور طويل و لساعات طوال تحت أشعة الشمس و الإغماء في بعض الأحيان، فلا يجب ان نرمي بأنفسنا إلى التهلكة من اجل إشباع رغباتنا.
ان محبتنا لشخص معين كيفما كانت مهنته أو مكانته، لا يمكن ان تنسينا ما تربينا عليه من أخلاق و مبادئ، حتى ان كان لدى الشخص الآخر صورة خاطئة عنا، دعونا نصححها له و نعرفه من نحن على النحو السليم و الذي يليق بمقامنا، و لنتذكر دائما أننا خير خلف لخير سلف.
التعليقات مغلقة.