الانتفاضة // مصطفى الفن
أعود، مرة أخرى، إلى الحديث عن قضية هدم “قصر” بوسكورة أو بالأحرى عن هدم بناية “الكريملين المغربي” كما سماه بعض الطيبين من المغاربة..
وأعود إلى هذه القضية ليس لأن هناك تطورات جديدة تحدثت عن فرضية أن يكون توقيف “باشا” بوسكورة له صلة بأعمال الهدم التي طالت هذا القصر ..
أقول هذا ولو أن هناك رواية أخرى تقول إن الباشا المعني هو الذي طلب أن يستريح حتى قبل أن يقع الهدم بمدة ليست ربما بقصيرة..
ثم إن قرار هدم مثل هذا القصر هو أكبر من أن يصدر عن باشا صغير ولا حتى عن عامل في أكبر جهة بالمغرب مثل الدار البيضاء..
أستبعد ذلك..
والواقع أني عدت إلى الحديث عن هذه القضية لأني تحدثت، أمس مطولا، إلى الشاب الثلاثيني الذي يملك هذا “القصر” في منطقة أو قل في إقليم بكامله كان وما يزال وسيظل، ربما، قلعة كبيرة للبناء العشوائي لا أقل ولا أكثر..
بل إن هذه القلعة الكبيرة للبناء العشوائي المسماة النواصر “اغتنى” منها كثيرون تحت الطاولة وربما فوقها أيضا..
جرى هذا دون أن يُسأل هؤلاء الذين “اغتنوا” ودون أن يُحاسبوا ودون أن تنتبه إليهم أعين السلطة ولا أعين قسم التعمير ولا أعين تلك العمالة التي تشتغل ربما بسرعتها الخاصة..
واسألوا “قارون” دار بوعزة الذي حققت معه الفرقة الوطنية في ملفات كثيرة دون أن يكون لهذه التحقيقات أي مفعول أو تبعات..
قارون دار بوعزة، الذي عُزِل أيضا بقرار من وزارة الداخلية، كان أيضا مجرد عون سلطة بموبيليت حمراء قبل أن يصبح اليوم صاحب ثروة لا تغرب عنها الشمس على مرأى ومسمع من قسم التعمير ومن عمالة النواصر نفسها..
ولا أريد أن أتحدث عن قارونات أخرى وعن بارونات أخرى وعن أسماء أخرى مرت من جماعة بوسكورة أو ما زالت تتحمل المسؤولية بهذه الجماعة..
كما لا أريد أن أتحدث أيضا عن “منعشين عقاريين” يدّعون الاشتغال مع “الفوق” والذين يتحكمون في هندسة المجالس المنتخبة بالنواصر وربما “يعينون” حتى من يرأس جماعة بوسكورة على مقاسهم خلف أسوار تلك الفيلات المعلومة..
ولا أدري أيضا لِمَ لم تنتبه الأعين المعنية إلى قاعة أفراح عشوائية كبيرة توجد غير بعيد عن “القصر المهدوم”؟!..
وأنا أخشى أن يكون السبب ربما هو أن مسؤولا كبيرا أقام في هذه القاعة عرسا خياليا وصُرِفت فيه أموال “كحلة” وربما خيالية أيضا..
أغلق هذا القوس وأعود سريعا لأقول إن “قصر بوسكورة” هو في الأصل مشروع سياحي استغرق بناؤه، تحت أعين قسم التعمير بالنواصر، ست سنوات وكلف صاحبه أكثر من 16 مليار سنتيم..
لكن الذي حصل في “زمن اخزيت” هو أن مسؤولي النواصر هدموا هذا “القصر” على ما فيه في ظروف غامضة وبضربات “جرافة” لا غير..
صاحب القصر تفاعل إيجابًا مع جميع قرارت وطلبات السلطات وفعل كل شيء وأبدى استعداده لفعل أي شيء..
جرى هذا حتى أنه بكى مثل طفل بين يدي المسؤول الأول في التعمير ومعه الكاتب العام للعمالة بالنواصر من أجل البحث عن حل آخر غير حل الهدم..
مالك القصر حاول أيضا أن يتواصل مع جميع المسؤولين في جميع الإدارات وفي جميع المؤسسات المعنية من أجل ألا يقع الهدم..
“الزغبي” حاول أيضا لقاء الوالي امهيدية وقضى أمام مكتب الوالي الساعات الطوال دون أن يتمكن من لقائه..
كما حاول لقاء عامل إقليم النواصر دون أن تتكلل هذه المحاولة بالنجاح..
في المغرب، يمكن أن تلتقي ملك البلاد وتلتقط مع جلالته “سيلفي”.. لكن من الصعب ربما أن تلتقي مسؤولا ترابيا في “أم الوزارات”..
نعم كل هؤلاء المسؤولين، الذين حاول مالك قصر بوسكورة لقاءهم، كانوا ربما مستعجلين لشيء واحد لا ثاني له وهو الهدم وليس البناء..
أما أسباب هذا الاستعجال فهي غير معروفة إلى حد الآن..
وكان لافتا للانتباه أيضا أن هؤلاء المسؤولين لم يمهلوا مالك القصر حتى بضع ساعات لجمع بعض أغراضه الشخصية قبل الشروع في أعمال الهدم..
حصل هذا إلى درجة أن قائد المنطقة، الذي أشرف على هدم القصر، قال لمالك القصر نفسه وبالحرف أيضا:
“التعليمات اللي عندي هي أن هاذ البناية خاصني نرجعها غبرة..”..
وهذا ما حصل بالضبط..
لقد تحولت أكثر من 16 مليار سنتيم إلى مجرد غبار يتطاير وتدروه الرياح في كل اتجاه..
أما الأشياء الثمينة من الثريات أو غيرها فقد “سرقها” اللصوص الذين أُخبر ربما بعضهم بقرار الهدم حتى قبل أن يُخبر مالك القصر المعني رقم واحد بهذا الهدم..
المثير أيضا أن أعمال الهدم “الانتقامية”، بتعبير مالك القصر نفسه، لم تسلم منها حتى أشجار الزيتون الجميلة التي جرى اقتلاعها ودهسها بكيفية موغلة في “التشفي” وربما موغلة حتى في “الحكرة” وفي الإهانة أيضا..
وفعلا إنها كيفية أوحت ل”الضحية” أيضا كما لو أن “الجهة”، التي أمرت بالهدم، تكره الأشجار المورقة..
وتكره أغصان الزيتون..
وتكره المناظر الخضراء..
وتكره الطبيعة..
وتكره الجمال..
وتكره “القصور” أيضا..
وربما لهذا السبب أيضا، جاؤوا، ليلة الهدم، بموظفين من شركة الكهرباء وأجبروهم على اقتلاع جميع العدادات الكهربائية..
والهدف كان ربما هو إغراق قصر “الكريملين” في الظلام بدون موجب حق وبدون سابق إنذار وبدون محاضر وبدون أي شيء يذكرنا بأننا في بلد فيه مؤسسات وفيه سلط لا ينبغي أن يبغي بعضها على بعض..
وأنا استمع إلى مالك القصر، فقد علمت أن هذا الشاب لم يبلغ بعد الأربعين سنة من العمر..
وعلمت أنه درس هنا بالمغرب..
ويعشق المغرب..
وأبى إلا أن يستقر هنا في المغرب..
بل أبى إلا أن يستثمر أمواله هنا في المغرب في وقت اختار فيه آخرون “تهريب” أموالهم إلى خارج المغرب..
ولم يفتني أيضا أن ألعب “دور الشيطان” لأطرح حتى الأسئلة المزعجة وربما بسوء نية أيضا..
وكان من الطبيعي أن أطرح على مالك القصر هذا السؤال الذي تردد كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي:
“هل صحيح أن وزيرا سابقا ورئيسا سابقا لجماعة اسمه محمد مبديع هو شريك لك في هذا المشروع من داخل سجنه”؟..
فماذا كان الجواب؟..
مالك القصر قطع الشك باليقين وهو يقول بلغة حاسمة وفيها ربما حتى بعض التحدي:
“سمعت هذا الكلام وكنت أعتقد أنهم يقصدون شخصا اعتقل مع سعيد الناصري، لكني سأعرف فيما بعد أنهم يقصدون شخصا آخر أسمع به لأول مرة اسمه محمد مبديع”..
وتابع مالك القصر المهدوم قوله مستغربا:
“كيف لي أن أكون شريكا لشخص لا أعرفه ولا أعرف اسمه ولا أعرف حتى من يكون هذا الذي يدعى مبديع؟!”..
وختم المعني بالأمر حديثه قائلا:
“أنا ليس معي، في هذا المشروع الذي هدموه ظلما وعدوانا، سوى الله تعالى..”..