الانتفاضة/ بقلم ادريس السدراوي
تعيش جماعة القنيطرة منذ بداية هذه الولاية على وقع ارتباك سياسي واضح وتراجع في الأداء الجماعي، بين أغلبية مشتتة ومعارضة فقدت بوصلة الموقف والمبادئ، مما جعل المدينة تؤدي ثمن الحسابات الضيقة والمناكفات الشخصية بدل أن تكون نموذجًا في الحكامة والتنمية المحلية.
تركة ثقيلة وتسيير سابق مرتبك
منذ عهد الرباح، الذي شكّل مرحلة من التضخم في الوعود وتراجع في الإنجاز، برزت شخصيات كانت جزءًا من المشهد آنذاك، أبرزها بلمقيصية، الذي تحوّل اليوم إلى أحد الوجوه الصاخبة في المعارضة دون رؤية واضحة أو بدائل واقعية، في حين ظلت المدينة تدفع ثمن هذا التناحر المستمر الذي أفرز حالة من الجمود والعشوائية في التدبير.
تهميش وأحياء منسية
تشهد أحياء عديدة في المدينة، كـ العلامة، لابيطا، المنطقة المطهرة، عين السبع، والمخاليف، تهميشًا واضحًا في البنيات التحتية والنظافة والإنارة، مع تفاقم مشكل الأزبال والكلاب الضالة، في غياب حلول ميدانية مستدامة تعيد لهذه الأحياء كرامتها وتحفظ حق ساكنتها في بيئة سليمة.
تدبير الأملاك الجماعية وغياب الشفافية
يظل ملف الأملاك الجماعية أحد أكثر الملفات غموضًا داخل المجلس، وسط غياب الشفافية وضعف التواصل حول طرق تدبيرها واستغلالها، خصوصًا ما يتعلق بمرافق كـ المسبح البلدي، الحجز البلدي، وغيرها من المرافق التي يفترض أن تكون رافعة للتنمية المحلية بدل أن تتحول إلى عبء إداري ومالي.
قضايا يتجنب المجلس مناقشتها
يتجنّب المجلس الجماعي الحالي الخوض في عدد من القضايا الحيوية التي تمسّ الحياة اليومية للساكنة، وفي مقدمتها:
• المقصيون من إعادة الإيواء والسكن الذين يعيشون أوضاعًا مأساوية على هامش المشاريع.
• ظاهرة الغبار الأسود التي تخنق المدينة وتهدد صحة المواطنين دون تحرك حقيقي.
• الروائح الكريهة المنبعثة من بعض المرافق والمنشآت الصناعية.
• سوق الجملة للخضر والفواكه الذي يعرف فوضى تنظيمية وضعفًا في المراقبة.
• الحالة الكارثية لـ”مارشي سنطرال” وسوق الحرية اللذين تحولا إلى فضاء عشوائي يفتقد لأدنى شروط النظافة والتنظيم.
• أسواق القرب التي فشلت في تحقيق أهدافها، مما يستدعي تقييمًا جريئًا بدل المجاملة.
• الباعة المتجولون الذين يحتاجون إلى حلول حقيقية وواقعية تحفظ كرامتهم وتضمن الحق في العمل المنظم.
• بناية المجلس البلدي نفسها التي تعيش حالة كارثية لا تليق بتاريخ وحاضر القنيطرة، إذ كيف لمن لم يُصلح مكان عمله أن يُصلح مدينة بأكملها؟
الحاجة إلى تصحيح المسار وفق القانون والالتزامات
لقد آن الأوان لأن تعيد جماعة القنيطرة ترتيب أولوياتها وفق ما نص عليه القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، الذي جعل من خدمة المواطن وتحقيق التنمية المحلية المستدامة جوهر مهام المجالس المنتخبة.
ويفرض هذا الإطار القانوني على المجلس الجماعي القيام بعدة مهام أساسية يتعيّن تفعيلها بجدية ومسؤولية، ومن أهمها:
• وضع وتنفيذ برامج تنموية مندمجة تراعي حاجيات الساكنة وتستجيب لأولوياتها في السكن، البيئة، النقل، والخدمات الأساسية.
• ضمان شفافية تدبير الممتلكات الجماعية طبقًا للفصل 83 وما يليه من القانون التنظيمي، بما يفرض الإعلان عن لائحة الأملاك وتدقيق طرق استغلالها حمايةً للمال العام.
• تفعيل آليات المشاركة المواطِنة والتشاور، كما تنص على ذلك المواد 119 إلى 123، لضمان إشراك الساكنة وهيئات المجتمع المدني في بلورة القرارات المحلية.
• احترام مبادئ الحكامة الجيدة والمساءلة، خصوصًا فيما يتعلق بتدبير المرافق العمومية، النظافة، الأسواق، والسكن الاجتماعي.
• إعمال المقاربة التشاركية في إعداد الميزانية وتخصيص الموارد للقطاعات الحيوية بدل صرفها في نفقات ثانوية لا تمس حياة المواطنين مباشرة.
الحاجة إلى بدائل جديدة ونخب مسؤولة
غير أن الواقع يؤكد أن المجلس الحالي، بمكوناته السياسية والإدارية، أصبح عاجزًا عن الإصلاح البنيوي المطلوب، بفعل التنافر الداخلي، ضعف الكفاءات، وتغليب المصالح الفئوية على المصلحة العامة.
ومن ثم، أصبح من المستحيل، بتشكيلته الحالية، أن يقود مرحلة الإصلاح والتغيير الحقيقي الذي تطمح إليه ساكنة القنيطرة.
لذلك، تقع اليوم المسؤولية التاريخية على عاتق المجتمع المدني والهيئات السياسية الجادة في ترشيح أطر نزيهة وكفؤة قادرة على خدمة المدينة برؤية استراتيجية، وتغليب الكفاءة على الولاء الحزبي، حتى تستعيد القنيطرة مكانتها كمدينة نموذجية في التنمية والحكامة.
التعليقات مغلقة.