الانتفاضة
تعيش الحياة السياسية المغربية هذه الأيام ذروة إستعداداتها للإنتخابات التشريعية المرتقبة عام 2026، وسط ما يمكن وصفه بـ «دخول سياسي» يُعدُّ من الأكثر سخونة منذ سنوات، حيث ينخرط الفاعلون الرسميون و الحزبيون و المجتمع المدني في مشاورات و تحركات متسارعة لصياغة معالم المنافسة القادمة، و ترتيب الأوراق لضمان تمثيل واسع و مُرضٍ داخل مجلس النواب.
في الرباط، إجتمع وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، مع قادة جميع الأحزاب السياسية في إجتماعَين متتالين خصصا للتحضير الكامل للإنتخابات التشريعية المقبلة، و حسب البلاغ الرسمي، فإن اللقاءات تأتي تنفيذاً لتوجيهات الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، الذي أكد إلتزام الدولة بإجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري، مع ضرورة تحديد المنظومة الإنتخابية القانونية قبل نهاية السنة الجارية.
الأحزاب، من جانبها، تدخل منعطفًا مُزمِنًا، حيث لا تكتفي فقط بالإستعداد التنظيمي، و إنما تسعى لتشكيل نفسها بإعتبارها بدائلاً جدية في أذهان المواطن؛ بعضها يستثمر تصاعد المطالب الإجتماعية، و متطلبات التمثيل النسائي و الشبابي، و آخرون يبحثون في تجديد شعبيتهم إستباقًا لفرصة تصويت ستُحدّد مراكز النفوذ في القادم من السنوات. إحتجاجات إجتماعية و تحركات شعبية جعلت الأجندة الإجتماعية في صميم النقاشات الحزبية، مما يهيء الساحة لإنتخابات تُخاض ليس فقط بالكلمات، بل بالقدر الذي يُقدِره المواطن من النتائج على الأرض.
و في هذا السياق، قدّمت الأحزاب السياسية مقترحات إصلاحية لمنظومة الإنتخابات، تُركّز على تعزيز تمثيل النساء، إشراك الأطر و الشباب، و مغاربة العالم، من خلال آليات مثل «نظام التناوب» و فرض نسبة ما على لوائح الأحزاب، و إلزامية تمثيل المرأة و الشباب في مراكز قيادية ضمن القوائم الإنتخابية.
الأزمة الإجتماعية كانت أيضًا مؤشرًا على أن المعركة الإنتخابية لن تقتصر على الخطاب السياسي الفجّ، بل ستتناول ملفات الصحة، و التعليم، و محاربة الفساد، و توزيع عادل للخدمات و الفرص. مطالب إجتماعية تنسجم معها توقعات شعبية متصاعدة بأن تكون الإنتخابات فرصة لتغيير ملموس، لا مجرد تبديل للرموز. تصريحات المسؤولين تبيّن إدراكاً متقدماً لهذه الديناميات، ما يدفع إلى أن تكون الحملة القادمة أكثر تنافسًا و شدًّا من الحملة السابقة.
ختامًا، الدخول السياسي على خطّ التحضير لإنتخاب أعضاء مجلس النواب يشير إلى أن المغرب مقبل على محطة سياسية مركّبة : محطة يتلاقى فيها الضغوط الشعبية مع الحسابات الحزبية، و التوجّه نحو الديمقراطية مع الحاجة إلى إستقرار المؤسسات؛ حيث لن تفوز الحملات الدعائية وحدها، بل الأصوات التي تراعي حاضر المواطن، و تقدّم حلولاً لقلقه اليومي، ستكون من تُحصد المقاعد. السياسيون يدركون ذلك، و المواطنون يترقّبون.