الانتفاضة
بقلم : محمد أمين وشن
إنّ جوهر الاشتراكية هو أن تهبَ صوتك لمن لا صوت له ، وحقك لمن حُرم منه “
جان بول سارتر
في زمن تُقدّم فيه الحكومة أطفال الوطن قربانا للسوق ، وتُحوّل فيه فضاءات التنشئة والتربية إلى سلعة خاضعة لمنطق العرض والطلب ، ينهض صوت جمعوي صادق ، مجبول على النضال لا على التواطؤ، ليصرخ ” لا لتفويت ما تبقى من الأمل في هذا الوطن ” .
لقد أطلق اتحاد المنظمات المغربية التربوية صرخةَ يقظةٍ سياسية ومدنية ضد ما اعتبره تطورات خطيرة تهدد حاضر ومستقبل مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب ، في ظل استمرار الحكومة في نهج تسييري لا يقرأ الواقع ولا يحترم تراكمات العمل الجمعوي الوطني، ولا يستحضر مركزية التربية في بناء مشروع الدولة الاجتماعية.
فبين خطاب حكومي يُروّج لشعارات النجاعة والمردودية ، وممارسات ميدانية تتسم بالصمت والتراجع و الخذلان ، يتجلى الوجه الحقيقي لمشروع ليبرالي متوحش يسعى إلى تفكيك المنظومة التربوية غير النظامية ، وتحويل مؤسساتها إلى مشاريع للكراء المؤقت والمربح ، في تجاهل تام للدور الاستراتيجي الذي لعبته هذه الفضاءات ، ولا تزال في دعم الاستقرار المجتمعي ومواجهة التهميش .
إن تراجع نسبة استفادة الجمعيات من البرنامج الوطني للتخييم بأكثر من 70% هذا الموسم ، ليس مجرد رقم تقني بل مؤشر فادح على مسار سياسي خطير كونه ترجمة حية لفشل السياسات العمومية للحكومة الحالية ، وغلبة منطق الجباية على منطق الخدمة العمومية .
هنا ، لا بد للصف التقدمي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية كاملة ، بعيداً عن حسابات التردد و الانتظارية ، وأن ينخرط في معركة وطنية شاملة للدفاع عن الحق في التربية الشعبية ، وعن فضاءات التخييم والاستقبال ورياض الأطفال ومراكز التنشيط ، كأدوات استراتيجية لبناء الإنسان المواطن إذ لا تنمية بدون أطفال محصنين بالتربية و القيم يتمتعون بحقوقهم كاملة في كنف حياة آمنة وكريمة ، ولا ديمقراطية بدون شباب مشارك وفاعل .
لعلنا ندرك اللحظة جيداً أن الصراع لم يعد تقنياً ، بل هو صراع وجودي بين من يعتبر حقوق الطفولة حقاً اجتماعياً مقدساً ، ومن ينظر إليها كفرصة للربح والاستثمار لا أقل و لا أكثر ، لذلك فإن المعركة ضد الخوصصة المقنّعة ، وضد كل أشكال التهميش المؤسساتي ، هي معركة وجودية بامتياز، تتطلب جبهة نضالية واسعة ، يكون فيها الفاعلون التربويون في مقدمة الصفوف ، لا في هوامش النقاش .
وختاماً، فلنرددها مع سارتر: ( إننا لا نناضل من أجل امتيازات، بل من أجل الحق في الحياة الكريمة ، في اللعب ، في التعلم ، في الأمل ) من أجل الوطن …. وطن لا يخوصص مستقبل أطفاله و شبابه .
التعليقات مغلقة.