صرخة الماء في المدينة الحمراء.. من ينقذ مراكش ونواحيها؟

الانتفاضة // ابتسام بلكتبي // صحفية متدربة

المدينة الحمراء، حيث يمتزج عبق التاريخ وسحر الطبيعة، يواجه سكان مراكش مشكلة بيئية متفاقمة تهدد صحة الإنسان والتوازن البيئي بسبب أزمة المياه التي باتت واقعا مريرا يفرض نفسه على السكان والمزارعين والسلطات المحلية على حد سواء.

وفي العديد من المناطق الهامشية، تُصرف المياه العادمة مباشرة في الأودية والمجاري الطبيعية دون معالجة كافية، مما يؤدي إلى تلوث الفرشات المائية والمجاري السطحية.

وهناك بعض الوحدات الصناعية في ضواحي المدينة تُفرغ مخلفاتها الكيميائية في المياه دون مراعاة للمعايير البيئية، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للأنظمة البيئية والأنشطة الزراعية.

وفي المناطق الفلاحية المحيطة بمراكش، يُلاحظ استعمال مفرط لمواد كيماوية تتسرب إلى المياه الجوفية، ما يساهم في تلوثها ويجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري.

ولا يقتصر تلوث المياه على إزعاج بيئي فحسب، بل يتحول إلى تهديد صحي مباشر، إذ تشير تقارير محلية إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمياه، مثل الإسهال والتيفوئيد والطفيلات المعوية، خصوصا بين الأطفال في الأحياء الشعبية.

ومن الناحية البيئية، يؤثر التلوث على التنوع البيولوجي في الواحات والمناطق الرطبة القريبة، كما يُضعف إنتاجية التربة في الحقول الزراعية التي تعتمد على مياه ملوثة.

مبادرات حكومية وإشكاليات

رغم بعض المبادرات الحكومية، مثل إنشاء محطة معالجة المياه العادمة بمراكش وتوسيع شبكات الصرف الصحي، فإن وتيرة الإنجاز لا تواكب حجم المشكلة، خاصة في ظل التوسع العمراني السريع وارتفاع عدد السكان.

كما تُطرح إشكالية ضعف الرقابة البيئية ونقص الوعي المجتمعي كعقبتين رئيسيتين أمام احتواء الأزمة. فلا يزال البعض يلجأ إلى رمي النفايات في المجاري المائية، بينما تغيب ثقافة ترشيد استعمال المياه وحمايتها لدى شريحة واسعة من المواطنين.

تامنصورت مدينة جديدة تعاني من تلوث المياه الصالحة للشرب

رغم أنها وُلدت كمشروع عمراني حديث يُفترض أن يُراعي متطلبات التنمية المستدامة، تواجه مدينة تامنصورت، الواقعة على بُعد نحو 15 كيلومترا من مراكش، مشاكل بيئية مشابهة، بل أحيانا أشد تعقيدا بسبب ضعف البنيات التحتية وتزايد عدد السكان.

في بعض الأحياء، يُلاحظ غياب قنوات صرف صحي متكاملة، ما يدفع السكان إلى تصريف المياه العادمة بطرق عشوائية، تُهدد المياه الجوفية وتؤدي إلى انبعاث روائح كريهة وتكاثر الحشرات، خاصة في فصل الصيف.

كما أن تأخر الربط العام بشبكات التطهير وعدم استكمال مشاريع معالجة المياه المستعملة يزيد من حدة التلوث، في وقت تشهد فيه المدينة توسعا عمرانيا سريعا غير متوازن مع البنيات البيئية الأساسية.

أما في المجال الزراعي المحيط بتامنصورت، فلا تزال ممارسات ري الأراضي بمياه ملوثة قائمة، مما يشكل تهديدا مباشرا على صحة المستهلكين وسلامة الإنتاج الفلاحي.

واقع مؤلم وصمت اجتماعي

رغم خطورة الوضع، يلاحظ غياب حقيقي للنقاش العمومي حول هذه الكارثة البيئية، كما أن المجتمع المدني يبدو غائبا أو ضعيف التأثير، خاصة في ما يتعلق بالتوعية والترافع البيئي. هذا الواقع يطرح تساؤلات حتمية لا مفر منها: أين هي جمعيات حماية البيئة؟ ولماذا لا تُطرح هذه الأزمة في صلب النقاش السياسي المحلي؟

التعليقات مغلقة.