من الذي يكتب القصة؟

الانتفاضة

من الذي يكتب القصة؟ إن فكرنا بهذا السؤال فسنقول ببساطة: الكاتب، لكن ما يحيرني حقاً هو كيف أن للكاتب أن يبتكر قصة؟ من أين أتت أفكار قصته؟ لماذا الكتابة محصورة فقط بأشخاص معينين؟ كيف تنبت في الإنسان الموهبة؟ وأسألة كثيرة شغلت تفكيري حتى قررت أن أبحث فيها لعل ذلك يعود بالفائدة علينا جميعاً

“كل قصة مختلفة لأنك أنت من كتبتها” عبارة قالها أحد الكتاب يصف فيها أن كل كاتب له أسلوبه الخاص في سرد القصة، وحتى إن كانت قصة روتينية ربما أنت بأفكارك وأسلوب سردك تعيد تقديمها بأسلوب مختلف، لكن يبقى السؤال كيف؟

ما مصدر الموهبة؟
من الناحية العلمية لا يوجد مكان خاص في الدماغ مسؤول عن الموهبة والإبداع ولا يمكن تحديد مصدر الإبداع بحقائق علمية مثبتة، ويرجح البعض أن الموهبة هي عامل وراثي

أما من ناحية علم النفس فهناك نظرية أحبها تدعى “الذكاءات المتعددة” وهي نظرية تقول أنه لا يوجد إنسان غبي لا يجيد أي شيء وأن كل منا له ذكاء وموهبة، فالذي يرسب في امتحانات المدرسة قد يكون لديه مهاراة عالية في إلقاء الخطاب والتواصل أو يجيد الرسم أو لعب الكرة، ورغم أنها تبقى مجرد نظرية لها مؤيدين وناقدين ممن يروا أن ما ذكرناه سابقاً لا يمكن أن نسميه بذكاء، إلا أنها تقول بشكل آخر أن لكل إنسان موهبة ويستحيل أن يولد أحدهم لا يجيد فعل أي شيء

لكن ما مصدر الموهبة حسب رأيي علماء النفس؟

الموهبة، تولد أم تصنع؟
“يستحيل أن تكون شاعراً إلا أن ولدت كشاعر”
هذه عبارة كان يرددها أحد أستاذتي كثيراً، وأجد الكثيرون يرددونها في الكتابة الرسم وغير ذلك، لكن ما مدى صحة هذه العبارة؟

هذه من أكثر المسائل الخلافية والتي بحثت عن إجابتها كثيراً ولم أجد إجابة وافية، فهناك من يرى أنها موهبة تولد مع الشخص ويرجحون بذلك وجود عوامل وراثية بصلة قريبة أو بعيدة ويستدلون على ذلك سرعة تعلم الكاتب الموهوب عن غيره، ويرون أن صناعة كاتب ليس بعدد ساعات التعلم فيمكن أن تجد كاتب درس لمئات الساعات ورغم ذلك لا يستطيع كتابة قصة مثل الكاتب الموهوب الذي تعلم لبضع ساعات، وبالطبع نفس الكلام ينطبق على باقي الفنون

وفي الناحية الأخرى تجد هناك من يرى أن الموهبة مكتسبة منذ الطفولة، فقد تكون البيئة الحاضنة له في طفولته (سواء الإيجابية أو السلبية) وبعض الأنشطة التي نمت موهبته في طفولته وشجعت ميوله لهذا النوع من الفن هي السبب في تكون الموهبة

وسبب هذا التضارب في وجهات النظر هو عدم وجود طريقة علمية تثبت أي من النظريتين هي الصحيحة، إضافة إلا أن الموهبة ليس لها عمر محدد للظهور فقد تظهر في سن الخامسة أو السابعة وقد لا تظهر إلى في مراحل متأخرة من حياة الإنسان، لكن ومع ذلك تبقى كلا الوجهتين تلتقيان في نقطة هامة وهي أن الموهبة يجب أن تكون لها بيئة حاضنة ويجب أن تُمرن وتسقل حتى تظهر بأفضل شكل

من أين يأتي للإنسان الخيال لكتابة قصة؟
أيضاً إجابة محيرة لا يوجد لها إجابة علمية دقيقة، لكن ومن المرجح للغاية أن الخيال هو ناتج عن خليط من 1- التجارب التي مر بها الفرد 2- الأوساط التي تابعها (سواء قراءة للكتب والروايات أو متابعة الأفلام والأنمي أو لعب ألعاب الفيديو)

فأن يأتي الخيال لوحده من غير محفز هو أمر صعب للغاية، ومن المؤكد أن لكل شخص طريقة تفكير خاصة ناتجة عن النقطتان التي ذكرناهما وبالتالي ستكون القصة التي يكتبها مختلفة عن غيره

فلذلك يقال أن القصة تعكس شخصية الفرد مهما حاول إخفاء ذلك، سواء في الشخصيات التي يكتبها أو الأحداث، وفي حال دققت في الأعمال التي شاهدها الكاتب في ماضيه ستجده متأثراً منها بطرق سواء مباشرة أو غير مباشرة وحتى أن الكاتب نفسه لا يكون مدركاً لتأثير بعض الأعمال عليه.

آخيرا نختتم هذا المقال بنصيحة أقدمها لكم جميعاً “ثق بنفسك وثق بموهبتك”

لا تقول عن نفسك فاشل فيستحيل أنك لا تجيد فعل أي شيء، أنا أكاد أجزم أن لكل شخص موهبة تميزه عن غيره، لكن لا أحد غيرك مسؤول عن اكتشافها ثم تنميتها

وحينما تكتشف تلك الموهبة فلا تقلل منها وتستتفها، فلا تقل في نفسك “الرسم! وما فائدة الرسم؟” فدفنشي رغم أنه كان عالماً إلا أن سبب شهرته هي لوحة المونليزا، ولا تقلل من مهارتك في الكتابة فالكتاب الذين حفظت أسمائهم في كتب التاريخ كثر، ولا تقلل من مهارتك في لعب الكرة فمثلما ترى اللاعبين المشاهير يحققون حالياً الملايين، والأمثلة على هذا المنوال تطول وتطول.

ودعني أصدمك بمعلومة، كل منا يستطيع أن يصبح مشهوراً وغنياً حتى أن يصبح مليونير، لا تقل هذا مستحيل بل ممكن، المليونير لم يولد ميلونير والمشهور لم يولد مشهوراً، هم فقط وثقوا بما يستطيعون فعله وفعلوه ووضعوا لنفسهم هدف وحققوه، المشكلة أنك لا تفكر بذلك وتفضل الراحة وعدم المغامرة وتبرر لنفسك أن هذا الهدف مستحيل وتفكر كأن أولائك توفرت لهم كل السبل وأنت لا أو ربما تفكر بأن أولائك لهم عقول مختلفة عن عقلك، لا يوجد أحد في هذا العالم لا يواجه صعوبات ويعاني سواء صرح بذلك أم لا، ودعني أعدك، بمجرد أن تبدأ تفكر بذلك ستتعب وتعاني وتتدرب كثيراً وحينما تظن أن وقت قطف الثمار قد حان ستفشل وتحاول مجدداً وتتعثر، وفي هذه المرحلة تحديداً سيتوقف البعض وييأس والبعض سيتابع حتى ينجح.

تخيل الحياة كصعود جبل، هناك من لم يجرأ حتى ورضي بحياته في القاع، وهناك من صعد وتعب ولم يكمل فاكتفى بما وصل إليه، وهناك من عينيه لا تفارقان قمته ويبقى يحاول حتى يتسلقه، وحين يصل إلى قمته لم يكتفي بذلك فسينظر لقمة الجبل الأعلى منه ويتسلقه، الشيء الوحيد المشترك بين كل هؤلاء هو أنهم ولدوا في القاع ولم يولد أحدهم على القمة، وعن نفسي أوصي لسماع قصة ستيف هارفي منذ استهزاء معلمته به لتمنيه أن يصبح مذيعاً رغم تلعثمه في كلامه ومن الحياة الصعبة التي عاشها حتى وصل لهدفه.

التعليقات مغلقة.