الصحافة ..مهنة من لا مهنة له..أو حين يحضر الشكل ويغيب المضمون

الانتفاضة

في زمن باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي تُسيّر الذوق العام وتوجه البوصلة الإعلامية، تُهان مهنة الصحافة، التي لطالما لُقّبت بـ”صاحبة الجلالة”، على مذبح السطحية واللهث وراء “البوز”.

مهنة العقول والأقلام، تحولت في كثير من الحالات إلى مهنة كاميرا وهواتف، يركض أصحابها خلف كل من هبّ ودبّ، لا لغاية إعلامية نبيلة، بل فقط لحصد مشاهدات أو تعليقات أو إعجابات زائفة.

تُهمّش المقالات الرصينة، وتُنسى التحقيقات المعمقة، ويُستبدل التحليل المهني بالعناوين المستفزة والمضللة، تلك التي لا تسمن ولا تغني من فكر. عناوين هجينة، يطغى عليها الركاكة، وتمتلئ بالأخطاء اللغوية، وكأن اللغة لم تكن يوماً أداة الصحفي الأولى.

لم نعد نجد ذلك المقال الذي يُشعل في القارئ فضول المعرفة، أو يفتح له أبواب النقد البناء، بل أصبحنا نُغرق يومياً بسيلٍ من المحتوى التافه، المصور غالباً، الذي يلهث وراء الإثارة المصطنعة على حساب الحقيقة والمصداقية.

بل الأدهى من ذلك أن بعض من يسمون أنفسهم “صحفيين” اليوم لا يعرفون شيئاً عن أخلاقيات المهنة، ولا يميزون بين الرأي والخبر، ولا بين التحقيق والثرثرة.

تسللوا إلى الحقل الإعلامي بلا تكوين، ولا خلفية ثقافية أو لغوية تؤهلهم لحمل مشعل صاحبة الجلالة.

الصحافة ليست “لقطة” عابرة، ولا “تريند” وقتي، بل مسؤولية كبرى أمام الضمير المهني وأمام الوطن.

فإذا سقطت هذه المهنة في فخ التهريج والتسطيح، فبأي وسيلة ستحيا الديمقراطية؟ ومن سيحمل صوت الناس وقضاياهم؟

الصحافة اليوم، في ظل هذا الانحدار، تحتاج إلى وقفة ضمير، وإلى صحفيين حقيقيين يعيدون الاعتبار للكلمة الصادقة، ويعيدون توجيه البوصلة نحو العمق لا القشور.

فليس كل من أمسك بكاميرا صحفياً، وليس كل من كتب سطراً صحفياً.

إنها مهنة تتطلب الصدق، النزاهة، والدراية، لا مجرد حب الظهور والبوز.

بل ابتليت الأمة  بصحفيين متملقين وبقشيشيين وباحثون عن (الكرمومة) (ببلاش).

ومنهم من قطر به السقف فأصبح لايعلم هل يمارس بالصحافة أم يمارس مهنة أخرى للأسف الشديد.

حتى اختلط الحابل بالنابل وأصبحنا لا نفرق بين الصحافة وأشياء أخرى.

فلا تكوين ولا علم ولا دراية ولا أخلاق، والغريب أنهم يضيفون إليها (التسنطيح) و (الزكا) وشيء من الغيبة والنميمة، ومنهم من يستعين بأشياء أخرى؟؟؟ ليثبت للآخرين أنه موجود وهو في في الحقيقة عدم بل هو موجود شكلا وغائب مضمونا.

التعليقات مغلقة.