الاحتفال بالسنة الأمازيغية: جذور تاريخية وأبعاد ثقافية

الانتفاضة

يُعد الاحتفال بالسنة الأمازيغية، المعروف باسم “يناير”، أحد أبرز التقاليد الثقافية التي حافظ عليها الأمازيغ في شمال إفريقيا عبر التاريخ. ومع حلول 14 يناير من كل عام في المغرب، تتجدد هذه المناسبة التي تجمع بين أبعادها التاريخية، الزراعية، والهوياتية، لتكون فرصة للاحتفاء بالتراث الأمازيغي المتجذر في أعماق التاريخ. ويصادف الاحتفال بالسنة الأمازيغية الحالية 2975، وهو ما يعكس عمق هذا التقويم الذي يُعتبر من أقدم التقاويم في العالم.
يرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية بعدة روايات تاريخية، أبرزها تلك التي تعود إلى عام 950 قبل الميلاد، حين انتصر الملك الأمازيغي شيشنق الأول على الفرعون المصري رمسيس الثالث. وقد مهد هذا الانتصار لتولي شيشنق عرش مصر وتأسيس الأسرة الثانية والعشرين، وهو حدث اعتبره الأمازيغ نقطة تحول تاريخية عكست قوة وإرث حضارتهم.
إلى جانب رمزيته التاريخية، يرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية بالدورة الزراعية السنوية. فهو يمثل بداية السنة الفلاحية الجديدة، حيث يعبر الأمازيغ عن شكرهم للأرض وخصوبتها. وتجسد هذه المناسبة ارتباط الإنسان الأمازيغي بالطبيعة وأهمية الزراعة كمصدر أساسي للرزق.
يُعتبر يناير اليوم رمزًا ثقافيًا يعكس هوية الأمازيغ وتراثهم. وتأتي الاحتفالات كفرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتجديد الالتزام بالقيم والتقاليد التي توارثتها الأجيال. ويُعد هذا الاحتفاء رسالة لتأكيد التنوع الثقافي وإبراز الخصوصية الأمازيغية في المشهد الوطني.
تتنوع مظاهر الاحتفال بين المناطق الأمازيغية، لكنها تتشارك في الروح الاحتفالية التي تطبعها. يتم إعداد أطباق تقليدية مثل الكسكس والتريد والرفيسة بأشكالها المختلفة، ويتم تنظيم فعاليات ثقافية تشمل الأهازيج الشعبية، الرقصات الجماعية، وحلقات الحكي التي تروي حكايات الأجداد. كما يتم تخصيص وقت للأنشطة الرمزية التي تجسد الامتنان للخير القادم، مثل زرع الحبوب أو إعداد الطعام بشكل جماعي.
في المغرب، يُصادف الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يوم 14 يناير من كل عام، حيث يُعتبر هذا التاريخ مناسبة خاصة للتذكير بالجذور العميقة للثقافة الأمازيغية. ومع تزايد الوعي بالهوية الثقافية، أصبحت هذه المناسبة أكثر حضورًا في الحياة العامة، حيث تنظم فعاليات وطنية وإقليمية تُبرز التنوع الثقافي وتعزز الانتماء المجتمعي. ومع الاحتفال هذه السنة بقدوم عام 2975 حسب التقويم الأمازيغي، تتجدد الدعوة للاعتزاز بهذا الإرث التاريخي والحضاري.
مع مرور الوقت، أصبحت السنة الأمازيغية مناسبة يحتفل بها بشكل رسمي وشعبي في العديد من دول شمال إفريقيا، مثل الجزائر والمغرب، وتكتسب زخمًا عالميًا بين أفراد الجاليات الأمازيغية حول العالم. ويُعتبر الاحتفال فرصة لتسليط الضوء على الثقافة الأمازيغية وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث في ظل التحديات العصرية.
تعد إذن احتفالات السنة الأمازيغية رمزا للهوية، للتاريخ، وللأرض. ومع استمرار الأجيال في إحياء هذا التقليد، يظل يناير شاهدًا حيًا على عراقة حضارة الأمازيغ، ودعوة للتمسك بالجذور في ظل عالم سريع التغير.
هشام فرجي

 

 

التعليقات مغلقة.