الانتفاضة // الدكتورة // فاطمة احسين
مناسبة طرح هذه الأسئلة هي انني مؤخرا زرت أنا ووالدتي المدينة العتيقة لمدينة فاس، المدينة التي بنيت فيها أول جامعة في العالم وهي جامعة القرويين، بطلب من أمي من أجل زيارة الجيران القدامى الذين تقاسمنا معهم ذكريات الطفولة.
عندما اقتربنا إلى العمارة وجدنا ان باب العمارة مغلق، فاندهشنا للأمر، لأنه لم نعقل يوما إغلاق الأبواب…..، وبعد أن تم فتح الباب وأثناء جلسة الشاي، العادة التقليدية المغربية الأصيلة التي لايخلو بيت مغربي من القيام بها عند زيارة الضيوف، طرحت على جارتنا القديمة وهي امراة في مقام والدتي ، سؤالا …..
علاش أخالتي وليتو تسدو الباب وعمر باب العمارة كان مسدود!!!
أجابتني السيدة بكلام فلسفي عميق يعكس التجربة العمرية والتحولات المجتمعية التي عرفها المجتمع.
قالت لي : أبنتي زمان كانت الفوضى ولكن كان الأمان ، الناس مهورينها ولكن كلشي شاد حدودو
دابا القانون ومابقى الأمان!!
إجابتها جعلت ذاكرتي تعود بي إلى مرحلة الطفولة، واللعب مع أطفال الجيران بدون خوف، وكنا ننتظر بشغف كبير حلول فصل الربيع ، للذهب في نزهة إلى منتزه جبل زلاغ ، وهو مكان طبيعي كنا نذهب اليه في رحلة مشيا على الأقدام، بدون خوف او فزع ، وكانت العائلات تحمل معها ألذ المأكولات لتقضي يوما في الطبيعة مستمتعين بجو فصل الربيع.
لم نكن نرى رجال الأمن ، الكل منضبط والكل يعرف حدوده ، لا تحرشات ولا أفعال سرقة ولا كلام خادش للحياء.
تغير الزمن كثيرا رغم ان الفارق الزمني لا يتعدى ربع قرن، بين البارحة واليوم !!!
اليوم أصبحنا نغلق الأبواب ونضع الكاميرات بالجوانب لعلها تمنح لنا بعض من الطمأنينة والإحساس بالأمان، وياليتها تمنح لنا ولو جزءا من السعادة وراحة البال التي كنا نشعر بها قبل أن يتم اختراعها .
صنعنا بها سجنا كبيرا، تراقبنا ليل نهار، وهناك من وضعها داخل منزله تراقب كل صغيرة وكبيرة……
كل الشوارع والدروب والمؤسسات والمنازل أصبحت فيها الكاميرات، لكن ارجوكم لا تحدثونني عن الشعور بالأمن والأمان …… إنه العالم الجديد المرعب..
فلايمكن للأمن الروحي ان يعوضه أمن الآلة ، تلك الآلة التي أصبحت تراقب تحركاته وحتى أنفاسه وعوض أن تزرع داخله الطمأنينية زرعت الرعب واللاأمان….
التعليقات مغلقة.