منذ البدء، كان الاحتجاج. وفي امتداد التاريخ الإنساني الكوني، ظل الاحتجاج منقبة لصيقة بالوجود البشري وملازمة له. وبهذا الاعتبار، قد يوائم القول: إن الإنسان كائن محتج. قد يحتج بصمت وهدوء، وما أكثر التعبيرات الاحتجاجية الصامتة، وقد يحتج بعنف تسميه بعض اللغات: الطيش والشغب والتهور. وسواء كان الاحتجاج صامتا أم عنيفا، سلميا أم مسلحا، فمجاله الفضاء العمومي الذي قد يغلقه أو يفتحه النظام السياسي القائم ضمن شروط تاريخية كاملة التحديد والتعيين.
الاحتجاج ممارسة قديمة، غير أن نظرية هذه الممارسة حديثة نسبيا، لا ترقى إلى أبعد من المنعطف بين النصف الأول والنصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد صيغت هذه النظرية ضمن مفهوم نظري واسع ومضياف: الحركات الاجتماعية. ولا حركة اجتماعية دون أفق سياسي أو اجتماعي أو ثقافي – قيمي.
يستعلن الاحتجاج عبر مختلف أشكال التظاهر المحددة في الزمان والمكان (مسيرات، تجمهرات، مواكب، تجمعات، وقفات، اعتصامات، هبات، انتفاضات…) والتي تتوخى إبلاغ رسالة – عبر الشعارات والهتافات واللافتات والإشارات – شكلت موضوع إقصاء أو تجاهل أو رفض من جهة أو جهات معينة؛ وذلك بعد استيفاء الشروط القانونية والشكلية الجاري بها العمل، طالما مجالها الشارع العام المشترك أو الساحة العمومية المشتركة كذلك.
لا يقوم الاحتجاج دوما قومة سلمية؛ فقد يمنع أصلا، وقد يحدث، فينفلت، ليواجه بالقمع الناعم أحيانا وبالقمع الشرس غالبا. ذلكم غيض من فيض ما يفيدنا به هذا الكتاب الصغير بحجمه (160 صفحة- مقاس 17/ 24) والعظيم بقيمته المعرفية والنظرية والمنهجية؛ والذي يكشف عما يمتلكه الشاعر مولاي حفيظ الفارسي من قدرات على ممارسة البحث النسقي والمنظم مثلما نبه على ذلك الأستاذ النقيب إبراهيم صادوق في الموقع الشرفي الذي تتوج به المقدمة كتاب: الاحتجاج بالمغرب – عطب الفهم وفهم الأعطاب، والذي كتب صفحة غلافه الرابعة د. عبد الجليل بن محمد الأزدي. د. عبد الجليل بن محمد الأزدي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية /جامعة القاضي عياض
التعليقات مغلقة.