الشريف الادريسي…المغربي الذي رسم أول خريطة للعالم

الانتفاضة // كوتر الداوودي // صحفية متدربة

الشريف الادريسي هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن إدريس، العالم المغربي الذي يصنف كواحد من أهم العلماء العرب في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجري، فهو الموسوعي الذي أتقن علوم الفلك والرياضيات والحساب والطب والصيدلة والنبات إضافة إلى علم الجغرافيا الذي تميز فيه فأصبح أول من رسم خريطة دقيقة للعالم.

ولد  الشريف الادريسي  بمدينة سبتة بالمغرب عام 1100ميلادية، و فيها تلقى تعليمه الأولي، و نظرا لكونه محبا للترحال زار الادريسي  فرنسا وإنجلترا وسافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى وإسبانيا والبرتغال وبلاد حوض المتوسط، ليستقر أخيرا بمدينة صقلية كونها كانت معبرا من معابر الثقافة الإسلامية لأوروبا، إذ خضعت لحكم المسلمين في عهد الأغالبة، واستمرت تحت حكمهم 300 عام، حتى جاء النورمانديون من شمال أوروبا واحتلوها، أثناء وجود الإدريسي فيها.

بعدما احتل النورمانديون صقلية، اختار ملكها روجر أن يجعلها قاعدة علمية و أن يحافظ على الارث الثقافي الاسلامي بالمدينة فكان الادريسي من بين العلماء و المفكرين و الفلاسفة الذين جمعهم بلاط الملك، ليعين على رأس فريق كبير من العلماء والمهندسين والباحثين لوضع خريطة محدثة للعالم، لتبدأ رحلة وضع أول خريطة للعالم المعروف آنذاك.

قام الادريسي بتدريب الرحالة و الجغرافيين  ثم أرسلهم إلى جميع أنحاء العالم المعروف في ذلك الوقت، لجمع وتدوين الملاحظات والابعاد المختلفة للمعرفة لهذه الخريطة المحدثة من خلال المعاينة المباشرة للأراضي التي زاروها. و اكتملت الرحلة عام 1154 قبل وقت قصير من وفاة الملك، و تضمنت النتائج النهائية عن تقسيم الأرض إلى 7 أقسام بالعرض، و مجموعة من 70 خريطة، تحدث عنها من الناحية المكانية والجغرافية، فبدأ من الغرب إلى الشرق، وكون مجموعة خرائط كبيرة ضمها كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” رغبة منه في مساعدة الجغرافيين والرحالة.

و ترجح الكثير من المصادر أن الادريسي وضع خريطته على كرة تضم الأرض بكل أقاليمها تلتصق بها البحار والمحيطات نزولا عند رغبة الملك، هذه الكرة كانت زوده الملك بها، وكانت تزن 400 رطل من الفضة التي قدمها له روجر،  و عليها سجل الإدريسي خطوط الطول والعرض والجزر. وتعتبر هذه الكرة أول مجسم دقيق للكرة الأرضية، وقد وضع أماكن المدن مستعينا بخطوط الطول والعرض، التي استخدمت قبل الإسلام، لكن الإدريسي أعاد تدقيقها لإظهار اختلاف الفصول الأربعة بين الدول، وأظهر المناطق الجغرافية المتباينة، وحدد المسافة المأهولة بالسكان.

لكن الكرة التي رسمت عليها الخريطة تعرضت للسرقة بعد تعرض صقلية للاجتياح، أما الخريطة فقد أخذها المستشرقون ونشروها في ثلاثينيات القرن الماضي. و خرائط الادريسي كانت واضحة تماما و استفاد منها  المستشرقون كثيرا، للتعرض بعد ذلك للتشويه و التغيير من طرف النساخ، كما أن كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” أهم الكتب التي استعان بها المستشرقون في إبحارهم في القرن الثاني عشر للميلاد.

يظل الشريف الإدريسي أحد أول العلماء المسلمين في الجغرافيا، إذ قام بتطوير كل الأفكار في هذا المجال، وقد اعتبر أن العلم مادة تقدم للإنسان أينما حل، ولم يجد حرجا في تقديمها لملك صقلية، و هذا  ما جعله يتعرض للنقد و التهميش من العرب، لكنه بالمقابل تلقى الثناء من الغرب على انجازاته و اسهاماته.

و توفي الشريف الإدريسي في مراكش 1165 للميلاد، مخلفا وراءه إرثا علميا كبيرا و مؤلفات لازالت تدرس في كبرى الجامعات الغربية، و ما وصل إليه من رسم أول خريطة دقيقة للعالم في وقت بعيد من الزمن هو دليل على عبقريته، و عظم إنجازاته وإسهاماته  التي استأثرت بها أوروبا.

التعليقات مغلقة.