ما الذى حدث حتى غير من التوقعات إلى تلك الدرجة؟ إذا حاولنا الإجابة على السؤال فستظهر لنا عدة عوامل هى:
ــ إن المحافظين توزعت أصواتهم على ثلاثة مرشحين مما أدى إلى إضعافهم جميعا. الثلاثة هم الدكتور على ولايتى والدكتور سعيد جليلى ومحسن رضائى. أما الإصلاحيون فإنهم اصطفوا وراء مرشح واحد هو الشيخ حسن روحانى، بعدما تنازل له المرشح الإصلاحى الآخر محمد رضا عارف، الذى كان مساعدا للرئيس السابق محمد خاتمى.
ــ إن الرأى العام الإيرانى الذى صدم لاستبعاد الشيخ هاشم رفسنجانى من بين المرشحين الأمر الذى فتح الباب للحديث عن شيوع السخط وقدر البعض أنه سيكون سببا فى ضعف الإقبال على التصويت، هذه الشرائح جرى استنفارها وسارعت إلى التصويت حين أعلن الرئيسان السابقان رفسنجانى وخاتمى تأييدهما لروحانى. وهو الإعلان الذى تم فى الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية وأسهم فى انقلاب المعادلات والحسابات.
ــ إن الذين صوتوا لصالح روحانى قوة تصويتية وسطية ظهرت وتبلورت بعد مضى 34 سنة على الثورة. الأمر الذى تجاوز تأثير قواعد حرس الثورة والباسيج. وتجاوز أيضا دور مدينة قم فى الحياة السياسية. وهى القوى التقليدية التى ظلت الأقوى تأثيرا بعد قيام الثورة.
أحد الأسئلة التى يثيرها تقدم أو انتخاب روحانى ينصب على تأثير ذلك على السياسة الإيرانية. وللإجابة على السؤال ينبغى أن نلاحظ أن رئيس الجمهورية فى إيران ليس من يرسم السياسة الخارجية التى هى مع الأمن من الملفات التابعة لمؤسسة المرشد. لكن ذلك لا يلغى تماما دور رئيس الجمهورية الذى يظل دوره حاسما فى الشأن الداخلى ونسبيا فى الشأن الخارجى.
فى هذا الصدد لابد أن تستوقفنا التركيبة الوسطية فى شخصية ومشروع الدكتور روحانى الذى هو ابن الحوزة الدينية وفى قُم، وفى الوقت نفسه، ابن جامعة جلاسجو فى ايرلندا (التى حصل منها على الدكتوراه فى القانون) وهو العضو المؤسس فى منظمة الروحانيين المناضلين (المحافظة) كما أنه محسوب على الإصلاحيين ومؤيد من جانبهم.
وهو مندوب المرشد فى مجلس الأمن القومى رغم ميوله الإصلاحية جنبا إلى جنب مع الدكتور سعيد جليلى المحافظ الذى يمثل المرشد أيضا فى المجلس. وهو ابن الجمهورية الإسلامية الحريص على نظامها، لكن له تحفظاته على سياساتها الخارجية. حيث يدعو إلى مرونة أكبر فى التعامل مع الغرب، وقد رفع عدد من أنصاره أثناء حملته لافتات دعت إلى التركيز على إيران بدلا من غزة ولبنان. وهى رسالة تثير علامة استفهام حول حقيقة موقفه إزاء السياسة الخارجية خصوصا ما تعلق منها بالتدخل الإيرانى فى سوريا وموقف حزب الله فى إيران.
صحيح أنه من المبكر الإجابة على السؤال الآن. إلا أن المقدمات تستدعيه إلى الواجهة بعدما غيبته ممارسات السنوات الثمانى الأخيرة. مع ذلك فإننى أتوقع أن يتبنى الرئيس المنتخب خطابا جديدا عند الحد الأدنى، حتى إذا لم يستطع أن ينتهج سياسة جديدة.(الشروق المصرية)
التعليقات مغلقة.