الانتفاضة/ شاكر ولد الحومة
لم يكن ما وقع يوم أمس داخل قاعة اجتماعات جماعة مراكش مجرد احتجاج عابر أو مشهد فوضوي من مواطنين غاضبين من حي “بين القشالي” أو “أصحاب سيارات الإسعاف”، بل كان زلزالًا سياسيًا مدويًا هزّ أسس المشهد المحلي، وكشف الوجه الحقيقي لعمدة المدينة ووزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان، فاطمة الزهراء المنصوري، التي بدت وكأنها فقدت البوصلة بين موقعها الوزاري وموقعها الترابي.
غضب شعبي يخرق الطوق البروتوكولي
في لحظة غير مسبوقة، اخترق المواطنون الطوق البروتوكولي داخل القاعة، ليُسمعوا الوزيرة أصواتهم الغاضبة، بين متضررين من مشاريع إعادة الهيكلة وضحايا زلزال الحوز.
صوت الشعب كان واضحًا وصارخًا: نريد السكن اللائق، نريد الوعود المنجزة، نريد العدالة في التنمية.
لكن الردّ من المنصوري لم يكن حوارًا ولا حلولًا… بل انفعالًا وصراخًا وهروبًا من المواجهة، قبل أن تُوقف أشغال الدورة وتغادر القاعة، في مشهد يعكس عجزًا سياسيًا وتواصليًا صارخًا لدى من يفترض أنها ممثلة الساكنة وصاحبة القرار.
المنصوري بين “المرأة الحديدية” وصورة الإعلام
تُقدَّم المنصوري في الكواليس وبعض المنابر الموجهة كـ“المرأة الحديدية” و”رئيسة حكومة المونديال المقبلة”، في تسويقٍ إعلامي مكشوف الغرض.
لكن الواقع يروي شيئًا آخر: وزيرة تُمسك بملف الإسكان على المستوى الوطني، وعاجزة عن تدبير حي شعبي واحد داخل مدينتها.
خطاباتها عن “التخطيط الحضري المتوازن” و”العدالة المجالية” و”العمل التشاركي” لا تجد صدى في الميدان. مشاريع متعثرة، ووعود مؤجلة، ومواطنون يطالبون بالحد الأدنى من الحقوق، بينما تكتفي المنصوري بالظهور في المنابر الإعلامية بخطابات براقة.
حزب الأصالة والمعاصرة.. واجهة الحداثة أم جدار الفساد؟
فشل المنصوري لا يمكن فصله عن انهيار حزب الأصالة والمعاصرة الذي تترأسه.
فالحزب يعيش أسوأ مراحله الأخلاقية والسياسية بعد توالي الفضائح التي طالت مسؤولين داخله، من ملفات الاتجار في المخدرات وتبديد المال العام والرشوة والاختلاس والنصب، إلى صمت القيادة وتبرير الفشل.
النتيجة: واجهة حداثية تخفي منظومة منهارة، وازدواجية خطاب بين ما يُقال في الإعلام وما يُمارَس في الواقع.
حكومة بلا بوصلة.. ووزراء يهربون من المسؤولية
حالة المنصوري ليست استثناءً داخل حكومة عزيز أخنوش، بل نموذج صارخ لوزراء فقدوا توازنهم السياسي والشعبي.
من التجمع الوطني للأحرار إلى الاستقلال، بات الهروب من المسؤولية لغة مشتركة بين أعضاء الحكومة، الذين يتبرأون من فشل السياسات العامة ويلقون اللوم على جهات وهمية، وكأنهم لم يشاركوا في صناعة القرار.
هذه الحكومة، ببساطة، فقدت شرعيتها الأخلاقية والشعبية، ولم تعد تملك سوى أدوات الدعاية والتلميع الإعلامي، بينما الواقع الاجتماعي يزداد احتقانًا يومًا بعد آخر.
الشارع يقولها بصوت واحد: “ارحلوا جميعًا”
الاحتجاج المراكشي الأخير لم يكن حادثًا معزولًا، بل صفارة إنذار سياسية تعبّر عن عمق الغضب الشعبي.
شعار واحد تردّد في الشارع المراكشي: “ارحلوا جميعًا… ارحلي يا المنصوري.”
إنها رسالة واضحة من الشارع المغربي: الزمن تغيّر، والوعي الشعبي تجاوز لغة الخطابات المزيفة.
لقد أدرك المواطنون أن مصيرهم في أيدي نخبة سياسية تستغل السلطة لخدمة مصالحها الخاصة، فيما تترك الشعب يواجه واقعًا اجتماعيًا قاسيًا دون حلول.
المغرب في حاجة إلى جيل جديد
الرهان اليوم لم يعد على إعادة تدوير نفس الوجوه بأسماء براقة، بل على إطلاق جيل جديد من القادة الشباب القادرين على العمل بعقلية علمية، ورؤية رقمية، واستراتيجية تنموية حديثة.
جيل يؤمن بأن السياسة ليست وسيلة للوجاهة، بل أداة للتنمية والمحاسبة والمواطنة.
المنصوري سقطت سياسيًا قبل أن تُحاسَب إداريًا.
وسقوطها ليس سوى مقدمة لسقوط منظومة كاملة فقدت ثقة الشعب وشرعية الإنجاز.
التعليقات مغلقة.