مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة .. حين تُختزل الحرية والأخلاق في رقم المعاملات

0

الانتفاضة/ إبراهيم الشعبي

في خطوة مفاجئة ومن دون أي نقاش تشاركي، صادقت الحكومة المغربية، يوم الخميس 3 يوليوز 2025، على مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. خطوة وُصفت على نطاق واسع في الأوساط المهنية والحقوقية بأنها “تراجعية” وتمس بجوهر التنظيم الذاتي للقطاع، وتفتح الباب أمام منطق السوق لفرض هيمنته على حرية التعبير.

الوثيقة التي حصلت عليها «لوبوكلاج» تكشف عن معالم مشروع قانون يثير قلقاً مشروعاً بشأن مستقبل الصحافة المستقلة في المغرب، وسط صمت حكومي مريب، وتساؤلات متصاعدة حول خلفيات هذا التحول.

خرق دستوري واضح

مواد المشروع تتعارض مع مضامين صريحة في الدستور المغربي، وعلى رأسها:

الفصل 25: الذي يضمن حرية الرأي والتعبير؛

الفصل 27: الذي يكفل الحق في الحصول على المعلومة؛

الفصل 28: الذي يحظر الرقابة القبلية ويضمن حرية الصحافة.

غير أن الصيغة المعتمدة للمشروع، وخاصة المادة 45، تنص على اشتراط معايير مالية صارمة لتحديد أهلية المؤسسات الإعلامية للتمثيلية داخل المجلس، من قبيل عدد الصحافيين المصرح بهم لدى CNSS، وحجم رقم المعاملات السنوي، بما يتجاوز 6 إلى 8 ملايين درهم.

السؤال الجوهري هنا: هل أصبحت التمثيلية المهنية رهينة بالقدرة الشرائية للمقاولة؟ وهل الصحافة سلطة رابعة أم شركة تجارية؟

هيئة تنظيم أم أداة حكومية مقنّعة؟

التركيبة المقترحة للمجلس الوطني تثير الشكوك حول استقلاليته، حيث تمنح مواد القانون، وتحديداً من المادة 5 إلى 7، الأغلبية في تركيبة المجلس لمؤسسات رسمية

وهنا تطرح الصحافة سؤالاً مقلقاً:

هل نحن أمام هيئة مهنية مستقلة، أم أمام جهاز إداري مُقنّع تحت غطاء التنظيم الذاتي؟

تمثيلية مبنية على التمييز

التمييز لا يطال فقط المؤسسات الصغيرة والناشئة، بل يشمل حتى فئات الصحافيين والناشرين. المادة 26 تفرض شروطاً قاسية للترشح، منها 10 سنوات من الممارسة المهنية، سجل قضائي نظيف، وملفات إدارية ومالية مُرهقة.

أكثر من ذلك، المشروع يقر الانتخاب بالنسبة للصحافيين، بينما يُفرض “الانتداب” لفئة الناشرين، في خرق صارخ لمبدأ المساواة ومضامين الفصل 28 من الدستور.

رقم المعاملات بدل شرف المهنة

أخطر ما في مشروع القانون هو ربط عدد الأصوات داخل المجلس الوطني برقم معاملات المؤسسة الإعلامية. شركات كبرى يمكن أن تحصل على ما يصل إلى 20 صوتاً بسبب حجمها المالي، مقابل إقصاء كلي لمقاولات صغرى تمارس المهنة بنفس الجدية والالتزام.

هذا المنطق لا يكرس فقط التمييز الطبقي داخل الجسم المهني، بل يُحوّل الصحافة إلى سلعة تُقوَّم بالأرقام لا بالقيم.

الهيئات المهنية تدق ناقوس الخطر

ردود الفعل لم تتأخر. فقد أصدرت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بياناً نارياً، اعتبرت فيه المشروع “تشريعاً مضاداً للدستور”، و”إجهازاً صريحاً على روح التنظيم الذاتي”، مشيرة إلى:

تغييب المقاربة التشاركية؛

التمييز بين فئات المهنيين؛

فرض معايير مالية وإدارية تُقصي الصحافة المستقلة؛

محاولة تحويل المجلس إلى أداة للوصاية بدل آلية لحماية الأخلاقيات.

وتساءلت الفيدرالية:

هل من يدّعي تمثيل القطاع يخاف فعلاً من العودة إلى صناديق الاقتراع؟

نداء إلى البرلمان: لا تصادقوا على التراجع

في ظل هذه التحولات، دعت الفيدرالية وأطراف مهنية أخرى البرلمان المغربي إلى تحمل مسؤوليته التاريخية، ورفض هذا المشروع، والدفاع عن المكتسبات الديمقراطية التي تحققت بعد دستور 2011.

المطلوب اليوم ليس التمكين للأقوى مالياً، بل إعادة الاعتبار للصحافيين والمقاولات الإعلامية الجادة، بغض النظر عن رقم معاملاتها. فالصحافة ليست سوقاً للمضاربة، بل سلطة لمراقبة ومساءلة السلطة.

خلاصة رأي «لوبوكلاج»

إن تمرير مشروع قانون بهذا الشكل يُعد نكسة حقيقية في مسار حرية التعبير، ويُفقد الصحافة المغربية أحد أهم مكتسباتها: التنظيم الذاتي.

الحرية لا تُقايض بالأرباح، والأخلاقيات لا تُبنى على دفاتر الحسابات.

ندعو إلى سحب المشروع فوراً، وفتح نقاش وطني جاد، يُشرك الصحافيين الحقيقيين، وليس فقط من يملكون النفوذ أو المال. المهنة تُبنى على الكفاءة، المصداقية، الاستقلالية والمهنية و ليس على أرقام المعاملات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.