مشروع إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة: هل نحن أمام خرق دستوري؟

0

الانتفاضة // توفيق أجانا

صادق المجلس الحكومي مؤخرًا على مشروع قانون لإعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة، في خطوة توصف من قِبل العديد من المهنيين والحقوقيين بأنها تشكل “نكسة دستورية” و”ضربة قاصمة” لمهنة يُفترض أن تمثل سلطة رابعة مستقلة.

وبصرف النظر عن نوايا المشروع المعلنة، فإن القراءة المتأنية لمضامينه تكشف عن اختلالات جوهرية تمس جوهر التنظيم الديمقراطي المستقل الذي نص عليه الدستور المغربي بوضوح، خاصة في فصوله 1 و 6 و 28.

أولا: تمييز غير دستوري في التمثيلية

ينص المشروع على انتخاب ممثلي الصحافيين داخل المجلس، في حين يتم تعيين ممثلي الناشرين من طرف الجمعية التي تمثلهم.

هذا التمييز الصريح في طريقة التمثيل بين فئتين متساويتين دستوريًا ومهنيًا يخرق مبدأ المساواة أمام القانون، كما ورد في الفصل 6 من الدستور، الذي ينص على عمومية وتجريد القاعدة القانونية ورفض التمييز بين المواطنين لأي اعتبار.

كيف يُعقل أن يُنتخب طرف بينما يُعيَّن الطرف الآخر؟ وهل يختلف الناشرون عن الصحافيين في حقوق المواطنة والتمثيل الديمقراطي؟

ثانيًا: انتهاك مبدأ التنظيم الذاتي المستقل والديمقراطي

ينص الفصل 28 من الدستور على أن السلطات العمومية تُشجع على تنظيم قطاع الصحافة “بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية”.

غير أن المشروع الجديد يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا، حيث يتم تفصيل التمثيلية على مقاس جمعيات محددة ومؤسسات إعلامية ذات وزن تجاري كبير، على حساب مقاولات إعلامية صغيرة أو متوسطة، أكثر مهنية وأقل حظوة في دوائر القرار أو سوق الإعلانات.

والأدهى من ذلك، أن المشروع يمنح المجلس سلطة زجرية جديدة تتمثل في توقيف الصحف والمواقع الإلكترونية، وهي سلطة لا تملكها حتى الحكومة نفسها، باعتبارها اختصاصًا قضائيًا خالصًا.

هذه السلطة الزجرية، في يد هيئة تنظيم ذاتي، تمثل سابقة خطيرة تُجهِز على الضمانات القضائية والاستقلالية الصحفية.

ثالثًا: مسّ بمبدأ “صوت واحد، مواطن واحد”

من خلال ربط عدد المقاعد المخصصة لممثلي الناشرين بحجم رقم معاملاتهم، يصبح للمؤسسات الكبرى أصوات أكثر تأثيرًا من تلك التي تمثل مقاولات صغيرة أو ناشئة.

هذا الوضع يُقوّض مبدأ المساواة السياسية ويخالف أحد المبادئ الديمقراطية الكونية، المعروف بـ”One man, one vote” (صوت واحد لكل مواطن)، ما يعني أن التمثيلية تصبح خاضعة للمال، لا للكفاءة أو المهنية أو إرادة القواعد.

رابعًا: تسييس المجلس وتفصيله على المقاس

إن التفاوت في المعاملة بين الفدرالية المغربية لناشري الصحف والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين يعكس خلفية سياسية واضحة تقوض مبدأ الحياد المؤسساتي.

فبينما تُقصى الفدرالية الأكثر تمثيلية، يتم تمكين جمعية وُلدت في سياق خاص وبدعم خاص، دون أي مرجعية قانونية أو مسطرة ديمقراطية في إقرار أهليتها.

هل نحن أمام محاولة لخلق مجلس صحافة “مطيع”، يؤدي أدوارًا وظيفية بدل أدوار تنظيمية مستقلة؟

وهل يمكن لمجلس يُعيَّن فيه الأعضاء على أسس الولاء والتقارب، لا الكفاءة والانتخاب، أن يُدافع عن حرية الصحافة واستقلاليتها؟

خامسًا: المحكمة الدستورية هي الملاذ

في ظل هذه الانزلاقات القانونية والمؤسساتية، فإن المحكمة الدستورية تبقى الأمل المتبقي لحماية الدستور وروحه.

إذ يمكن، وفق الفصل 132 من الدستور، لأي خُمس من أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوًا من مجلس المستشارين أن يُحيلوا المشروع على أنظار المحكمة.

وبناء على السوابق والاجتهادات الدستورية السابقة، فإن احتمال إسقاط هذا القانون كليًا أو جزئيًا يبقى واردًا وقويًا، خاصة إذا استند الطعن إلى الحجج المرتبطة بعدم المساواة، وضرب الديمقراطية الداخلية، وانتهاك استقلال السلطة القضائية.

ان الأمر لا يتعلق بموقف نقابي أو مهنة محتجة على قانون غير منصف فقط.

بل يتعلق الأمر بقضية مبدئية تمس الدستور، وتهم كافة المواطنين، لأن حرية الصحافة ليست شأنًا مهنيًا صرفًا، بل ركيزة من ركائز الدولة الديمقراطية.

وحين يُقوّض التنظيم الذاتي المستقل للمهنة، ويفصّل القانون على مقاس الأقوياء، فإننا لا نعود أمام قانون… بل أمام “مجزرة دستورية” بكل المقاييس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.