الإنتفاضة // إلهام أوكادير // صحفية متدربة
وسط أجواء سياسية مشحونة، تواصل مكونات المعارضة البرلمانية في بلادنا، تحركاتها نحو تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة “أخنوش”، كرد فعل على ما تعتبره، فشلاً في تدبير الشأن العام، وتحديدًا، أمام استمرار معاناة المواطنين، مع ارتفاع أسعار المواد الأولية و المحروقات، وتدهور القدرة الشرائية، و السياسات السطحية الواهية للحكومة على حدّ تعبيرهم .
ورغم أن المبادرة تعكس مظهرًا من مظاهر الحركية السياسية القوية في البلاد، إلا أن تفاصيلها تكشف واقعًا معقدًا داخل المعارضة نفسها؛ فحتى قبل أن يُطرح الملتمس رسميًا، اصطدمت الأحزاب بخلافات حول من يكون النائب البرلماني، الذي سيتولى تقديم الطلب باسم الجميع، وهي مسألة قد تبدو بسيطة في الظاهر، لكنها تختزل الكثير من الصراعات السياسية والتوازنات الحزبية.
من موقعي كمراقبة لما يجري في الكواليس السياسية، لا يمكنني تجاهل أن هذه الرغبة الجامحة لكل حزب في قيادة المشهد – ولو رمزيًا – تكشف عن هشاشة الثقة بين الفاعلين، بل وعن صعوبة بناء مبادرات جماعية حقيقية، في مناخ تسوده الشكوك والتوجس.
فكما هو معروف، ينص النظام الداخلي لمجلس النواب على تقديم ملتمس الرقابة عبر مذكرة مفصلة موقعة من خُمس أعضاء المجلس، و الذي يجب أن تُعرض مبرراته بشكل واضح من طرف أحد مقدميه، ثم يُفتح بعد ذلك المجال للحكومة والفرق النيابية للرد والمناقشة، فالبرغم من أن هذه المسطرة الدستورية، تعتبر أداة ضغط قوية، تمنح للمعارضة حقًا مشروعًا للتأثير والتصحيح، إلا أنها في ذات الوقت، تتطلب الحد الأدنى من الانسجام الداخلي لمن يتقدم بها، وهو ما يبدو مفقودًا في الوقت الحالي.
فالخلاف الواقع بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، والذي يعود إلى مواقف وخلفيات سابقة، ليس تفصيلاً هامشيًا، بل هو أحد العوامل البارزة و التي تهدد استقرار هذه المبادرة.
فنحن لا ننسى ما وقع خلال النسخة السابقة من ملتمس الرقابة، الذي سقط بسبب إعلان منفرد من أحد الأحزاب دون تشاور مع البقية، ما دفع بعض المكونات إلى الانسحاب الفوري.
فحتى الحركة الشعبية، التي طالما قدمت نفسها كحزب توافقي، وضعت شروطًا مسبقة للانخراط، والتي من بينها، الحصول على ضمانات بعدم مشاركة بعض الأطراف في الحكومة القادمة.
في ظل هذا الجو، يبدو أن حزب التقدم والاشتراكية قد اختار التريث، وفضل لعب دور الوسيط، بدل المجازفة في معركة غير مضمونة النتائج.
كصحفية تتابع المشهد السياسي المغربي عن كثب، أجد أن هذه التجاذبات تعيد طرح سؤال جوهري: هل تمتلك المعارضة فعلاً رؤية جماعية بديلة؟، أم أن التحرك الحالي، مجرد رد فعل على تراجع شعبية الحكومة؟ فالإجابة عن هذا السؤال لا تزال معلقة، مثلها مثل مصير هذا الملتمس.
في كل الأحوال، تبقى الأيام المقبلة هي الحاسمة؛ فإما أن تتمكن المعارضة من تجاوز صراعاتها البينية وتقوم بتقديم ملتمس قوي يسائل الحكومة في مختلف نقاط اختلال تدبيرها لشؤون المواطنين و ما يصدر عنها من قرارات مصيرية، أو أن يتحول الأمر إلى مجرد تمرين سياسي جديد، يُضاف إلى قائمة المناورات التي لم تفضِ يوماً إلى إحداث تغيير حقيقي.