لأهل السهر من أجل الأمان… كلمة مستحقة

عن رجل الأمن: شريك الحلم، لا خصمه

0

الانتفاضة // الاستاذ محمد السعيد مازغ 

طوال سنوات عملي في الصحافة، كتبت عن شخصيات تنتمي إلى عوالم شتى: مثقفون وسياسيون، رجال دين وأعمال، وزراء وعمال، معطّلون ومهمّشون، عمّال نظافة يجرفون أحياءنا المثقلة بالقاذورات، وحتى أولئك الذين يعتاشون من تدليك أجسادنا المتعبة في الحمامات الشعبية… لكنني، مثل كثيرين، لم أكتب يومًا عن رجل الأمن.ولا أعني أولئك الذين أساؤوا إلى السلطة فشوّهوا صورتها، بل أولئك الذين يمشون بيننا بصمت يشبه الحكمة، يزرعون الطمأنينة فلا ننتبه إليها إلا حين تُنتزع، وحين يغيب حضورهم نشعر حقًا بثمن الأمان.                                                                                                           كثيرًا ما تحدّثنا عن القمع، عن الهراوات، عن العنف حين يُمارَس كتنفيس أو استعراض للقوة… لكن قلّما تحدثنا عن هدوء الليل، عن الشوارع الآمنة، عن البيوت التي نغلقها فننام مطمئنين، لأن هناك من يسهر في الظمن أجلنا…..كأنّ الأمن يولد تلقائيًا، وكأنّ من يقف في وجه الفوضى لا يحتاج إلى دعم ولا حتى إلى كلمة امتنان.ليس مطلوبًا من رجل الأمن أن يكون وديعًا كالحمل، ولا صلبًا كالصخر. المطلوب أن يكون إنسانًا: حاضرًا دون أن يفرض حضوره، ممسكًا بخيط رفيع بين هيبة القانون وحنو الدولة، بين الصرامة ودفء الانتماء.                                                ورغم كل ما يقدمه من تضحيات، وما يتحمله من مسؤوليات جسام لن ترى دموع رجل الأمن؛ لا حين تُثقله ساعات العمل الممتدة، ولا حين يطول غيابه عن أطفاله، ولا حين تمر عليه سنوات دون ترقية، أو دون صوت نقابي يحمي حقوقه أو يوصل شكواه.                               علما أن اليوم، لم تعد مهامه تقتصر على الشارع والمخفر، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي ومواجهة الجريمة العابرة للحدود. من التصدي للاحتيال الإلكتروني، إلى تفكيك شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، إلى حماية المال العام من لصوص بأقنعة قانونية… تحديات جديدة تقتضي يقظة مستمرة، ومعرفة تقنية، واستباقًا دائمًا للخطر.

في زمن تعالت فيه الأصوات وقلّت الآذان الصاغية، يظل رجل الأمن رمزًا لحلمٍ صامت:                                                        أن يبقى الوطن بيتًا لا نغلق نوافذه خوفًا، بل نفتحها صباحًا على شمس حرّة، ومساءً على ضوء القمر، وطمأنينة لا مثيل لها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.