الانتفاضة // وهيب الغالي
في كل سنة، تستقبل مراكش عشرات المؤتمرات والتظاهرات العالمية: من قمم سياسية وملتقيات اقتصادية إلى منتديات بيئية ورياضية. تتزين المدينة، تُطلى الأرصفة، تُغسل الواجهات، وتُفرش الزرابي الحمراء في انتظار الضيوف. لكن يبقى السؤال الذي يطرحه المراكشي في صمته المُرّ: أين أنا من كل هذا؟ وهل هذه المؤتمرات تُنظم من أجله، أم تُقام باسمه دون حضوره؟
تحوّلت المدينة شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه “قاعة حفلات فاخرة” تُستغل واجهتها الأنيقة، وموقعها الساحر، لتلميع الصور وبيع الأوهام. تُعرض مراكش كرمز للاستقرار، والضيافة، والانفتاح، لكنّ واقع المراكشي لا يعكس هذه الصورة المروّجة. ففي الوقت الذي تُنفق فيه الملايير على تنظيم المؤتمرات، تئن الأحياء من ظلمة الشوارع، ورداءة الطرقات، وتدهور الخدمات الأساسية.
المواطن المراكشي لا يشارك في هذه التظاهرات، لا رأياً ولا استفادة. لا مشاريع تنموية تُبنى من نتائج هذه المؤتمرات، ولا توصيات تُترجم إلى حلول ملموسة في التعليم أو الصحة أو النقل. وما تبقى من أثر، إن وُجد، لا يتجاوز حدود الفنادق والمطاعم وبعض فرص العمل المؤقتة.
إن ما نعيشه اليوم هو نوع من الانفصام: مدينة تعيش على وقع الإعجاب الدولي، وساكنة تعيش على وقع التهميش الداخلي. نُستخدم كعنوان جميل لمناسبات كبرى، بينما نُترك خارج قاعة النقاش. تُنقل صور المدينة إلى شاشات العالم، لكن لا تُنقل معاناة أبنائها إلى طاولات الحل.
مراكش ليست فقط جدراناً عتيقة ولا فضاءات استقبال، إنها مدينة لها نبض وناس، لها ذاكرة وأحلام. وإذا لم تُربط هذه التظاهرات بمشاريع تنموية حقيقية تُحسن من المعاش، فإنها ستظل مجرد عروض عابرة، تزيد من الإحساس بالغربة في مدينتنا.
مراكش تستحق أن تكون أكثر من مجرد واجهة. تستحق أن تُصغى لهمسات أزقتها، وأن تُرى أحلام شبابها، وأن تُؤخذ بعين اعتبار حاجيات أهلها … لا أن تُلمّع فقط كلما زارها الغرباء.