الإنتفاضة
هل أنظر إلى التلفاز ، أم أشيح وجهي عنه ، فمع حلول رمضان من كل عام، تتحول الشاشات المغربية إلى مشهد مألوف لا يختلف عن سابقه، وكأن الزمن توقف عند نقطة واحدة لا تتغير. نفس الممثلين، نفس التهريج، نفس البرامج وحتى نفس الإعلانات، وكأن البلاد عقيمة لم تنجب غير هؤلاء، وكأن معاهد الفن لا تخرج كل عام دفعات جديدة من المواهب الطامحة إلى فرصة واحدة فقط لإثبات ذاتها.
شركات الإنتاج، بطبيعة الحال، تبحث عن الربح، وتراهن على الأسماء المعروفة لضمان نسب مشاهدة مرتفعة – حتى وإن كانت مفبركة – لكن الغريب هو هذا الإصرار العنيد على تدوير نفس الوجوه، وكأن الإبداع محصور في دائرة مغلقة لا يمكن تجاوزها. مواهب شابة كثيرة تجد نفسها على الهامش، فيما تتكرر نفس الوجوه في كل موسم، بنفس الأداء، بنفس الحبكات المستهلكة التي تحفظها الجماهير عن ظهر قلب قبل أن تُعرض. وفي ظل هذا الجمود، يبدو أن التلفزيون المغربي في رمضان يعلن استقالته من دوره الحقيقي. تختفي التحقيقات الجادة، وتتوارى البرامج السياسية والاجتماعية، ويصبح كل شيء مسخرًا لدراما تدور في حلقة مفرغة، وسكيتشات كوميدية تستنزف آخر ما تبقى من الصبر لدى المشاهد. كأن المطلوب هو إلهاء الجمهور عن قضاياه، وإغراقه في محتوى متكرر لا يحمل جديدًا ولا يحترم ذكاءه. ثم يظهر صوت جريء يكسر الصمت، مثلما فعل الممثل محمد مفتاح حين تحدث عن الرشاوى التي تُدفع لتمرير بعض الإنتاجات الدرامية. لم يرد عليه أحد، لم يحاول أحد نفي كلامه، وكأن الجميع يعلم، لكنه يفضل الصمت. وكأن المشهد الفني بات محكومًا بمنطق “المألوف والمضمون”، بدلًا من البحث عن تجديد حقيقي يضخ دماءً جديدة في الدراما المغربية. ربما آن الأوان لكسر هذا الاحتكار، لمنح الفرصة لأصوات جديدة، لوجوه لم تأخذ نصيبها بعد، لإنهاء هذا النمط الذي يجعل المشاهد يعيش ” déjà vu ” مع كل موسم رمضاني. فالفن ليس مجرد ملء فراغ زمني في جداول البث، وليس مجرد تكرار لما فات. وكما أن لكل رمضان حريرته، فإن للدراما المغربية أيضًا نكهة ثابتة، لكن للأسف… لم تتغير حموضتها منذ سنوات.
التعليقات مغلقة.