تقرير غير سري ربما بلا أي جدوى لمؤتمر الأمم المتحدة للمجرّات

الانتفاضة // عبد العزيز كوكاس

المشهد الافتتاحي
قاعة كونية هائلة الحجم، تتسع لمليار وفد وأكثر، مضاءة بمصابيح نجمية عمرها ثلاثة أزمنة كوانتية، ويكسو جدرانها زجاج مظلم يعكس تاريخ الفشل الدبلوماسي للمجرات. لافتات المؤتمر مكتوبة بجميع لغات الكون الحية، إضافة إلى بعض اللغات الميتة التي أصرّت وفود الثقوب السوداء على إدراجها “بدافع الحنين إلى زمن التهام المجرات البدائية”.
يجلس على المنصة الأمين العام للمجرات، وهو كائن هلامي مكوَّن من ضوء وماء وأزمة ثقة. يتغير لونه كل دقيقة حسب تقلبات “مؤشر السوق الفلكي”، يقرع بمطرقته النورانية على طاولته المصنوعة من شظايا نيزك ما قبل التاريخ، ويعلن افتتاح الدورة الاستثنائية لمناقشة: “الحفاظ على السلم الكوني ومنع الكواكب الصغيرة من تطوير أسلحة الدمار الشمسي”، ثم يبتسم ابتسامة كونية عابرة تفيد ضمنيًا ألاّ أحد سيحترم أي بند من البنود.
افتُتح مؤتمر الأمم المتحدة للمجرات تحت شعار: “معًا نحو مستقبل مستدام للكواكب الصغيرة”. حضر ممثلو 124 مجرة و900 كوكب و137 قمرًا رسميًا. بدأ الحفل بعزف النشيد الكوني، تلاه عرض قصير بعنوان: “كيف نجونا من الانفجار العظيم لنلتقي هنا اليوم”.

أبرز الوفود الحاضرة في الاجتماع التاريخي
يحتكر وفد المجرات العظمى نصف مقاعد القاعة وبحوزتهم حق الفيتو الكوني متعدد الأبعاد.. شعارهم الرسمي: “نحن نحافظ على السلام بشرط أن نكون نحن الذين نقرر من يبقى حيا ومن يشطّب من الخريطة المجرية”.
وصل وفد الكواكب الفقيرة بأطباق فضائية مستعملة، يطالبون بعدالة توزيع الطاقة النجمية، لكن الميكروفونات أمامهم لم تكن تعمل منذ انقراض الديناصورات.
وفد المذنبات الحرة: مجموعة من الرحّل الكونيين يرفضون أي اتفاقيات أو معاهدات، ويصرّون على حقهم في الاصطدام بأي كوكب يختارونه لأنهم يعتبرون ذلك “جزءًا من هويتهم الثقافية”.
وفد الثقوب السوداء: لا يتكلمون كثيرا، يكتفون بابتسامة جاذبة، ابتسامة تُذكّر الجميع أن لديهم القدرة على ابتلاع القاعة كاملة إذا ضجروا من طول المداولات، خاصة حين يُذكر موضوع الموارد.
جاء وفد الأرض بخطاب مكتوب على ورق مُعاد تدويره من قمامة فضائية، يتحدثون كثيرًا عن “السلام المستدام” ثم يصوتون في الكواليس لصالح كل بند يضمن لهم براءات اختراع جديدة في تقنيات تذويب الشوكولاتة على المريخ، وقد صوتوا لصالح بند “التنمية المستدامة” بشرط أن تُصرف كل ميزانياتها على رحلات ترفيهية لمسؤولي الوفود. وعندما احتجّ ممثل مجرة أندروميدا، طمأنه الوفد البشري: “لا تقلق، نحن بارعون في كتابة تقارير الإنجاز حتى قبل أن نبدأ”.

جدول الأعمال
-منع انتشار أسلحة الدمار الشمسي.
-تشكيل لجنة لدراسة أسباب فشل اللجنة السابقة في منع أسلحة الدمار القمري.
-إدانة كوكب صغير حاول الهروب من مداره المرسوم له “دون إذن رسمي من الاتحاد الكوني للمسارات المدارية”.
-مقترح مقدم من وفد الأرض لإنشاء قناة طهي مجرية “لأن الأكل وسيلة للحوار والتثاقف بين الحضارات”.

التجاذبات السياسية
خلال النقاش، تحولت الجلسة إلى مهرجان خطابي فوضوي: اتهمت مجرة عظمى أحد المذنبات الفقيرة بأنه “يمارس الإرهاب المداري” ويهدد الأمن الكوني لأنه مرّ بجانبها بسرعة مريبة. ورفض كوكب غني بالمعادن النادرة التوقيع على معاهدة سلام إلا بعد ضمان حصته في أرباح أي حرب مستقبلية. فيما قدّم وفد الثقوب السوداء اقتراحًا مبسطًا لحل جميع النزاعات: “ابتلاع الأطراف المتنازعة دفعة واحدة”.
وقد ألقى وفد الأرض، كالعادة، كلمة شاعرية عن “قيم التعاون والتضامن” و”الإخاء الكوني”، ثم صوّت في الخفاء لصالح البند الذي يسمح باستغلال الكواكب النامية مقابل الحصول على تكنولوجيا جديدة لبرامج الطبخ الفضائية، لكنه نسي أن يذكر الحروب الأرضية الجارية، فاعتُبر ذلك “ابتكارًا دبلوماسيًا في فن الإنكار”.
في الجلسة المغلقة، تم التصويت على بند “إيقاف الانقراض الطوعي”. صوتت جميع الكواكب لصالح القرار، باستثناء الأرض التي طلبت مهلة إضافية لدراسة انعكاساته على مؤشرات البطالة والانتخابات القادمة.
بعد 72 ساعة من المداولات، تم إقرار “وثيقة حفظ السلام الكوني” بأغلبية ساحقة، مع إضافة 142 بندًا من الاستثناءات تكفي لتحويل الوثيقة إلى ديكور بروتوكولي. وقد احتفل الجميع بوليمة فاخرة من غبار النجوم المتبّل، بينما اندلعت في اللحظة نفسها حرب مجرية خاطفة في الطرف الآخر من الكون.
لم يُصدر الأمين العام أي تعليق، لكنه غيّر لونه فجأة إلى الرمادي الداكن، وهو ما فسره الخبراء بأنه “لون الحياد المتعب”.

الخاتمة الاعتبارية
يبدو أن المجرة كلها تتفق على مبدأ واحد: “السلام غاية نبيلة إلى أن يتعارض مع مصالحنا الخاصة.” كل شيء في هذا المؤتمر، من حجم القاعة إلى رائحة الهواء المضغوط، يوحي بأن السياسة الكونية تشبه السياسة الأرضية لكنها بملابس أغلى وحروب أوسع. الفارق الوحيد هو أن الأكاذيب هنا تُقاس بوحدات الضوء لا بالدقائق، وأن الكواكب تتآمر كما تتآمر الحكومات الصغيرة. السلام مبدأ كوني مقدّس إلى أن يتعارض مع مصالح أي طرف يملك فيتو جاذبيته أكبر من جاذبيتك.
في النهاية، أدركت – كمندوب للأرض- أن حضور هذه المؤتمرات يشبه تماما محاولة إقناع ثقب أسود بالتوقف عن ابتلاع الضوء بدافع “الإنسانية”. ربما الكون ليس أكثر من حلبة مفاوضات عبثية بين قوى لا تعرف ماذا تريد أصلًا، فيما تُستعمل كواكب مثل كوكبنا كورق مساومة رخيص. لذلك، إذا صادفتم كائنًا أرضيًا متحمسًا لشعار “نحن جزء من مجتمع كوني واحد”، أنصحكم بالابتسام والربت على كتفه ثم أخبروه الحقيقة البسيطة: نحن مجرد هامش كربوني في دفتر بروتوكولات مجرية عملاق، دفتر سيُغلق يوما ما دون أن ينتبه أحد.

المندوب الدائم لكوكب الأرض
“حاضرون حتى إشعار آخر”

التعليقات مغلقة.