الانتفاضة
في السنوات الأخيرة، بات واضحًا أن بعض المنابر الإعلامية، وعلى رأسها قناة الجزيرة، لم تعد تكتفي بإبداء المواقف أو تناول الأحداث من زاوية معينة، بل تحوّلت إلى منصّة ممنهجة لاستهداف المغرب، بشكل متكرر ومقصود، ضمن ما يبدو أنه عداء مبيت لبلد اختار منذ سنوات الاستقلال في القرار السياسي، والوضوح في الرؤية الاستراتيجية.
قناة الجزيرة، التي تتغنى بالحياد والموضوعية، لا تتردد في تقديم روايات مجتزأة عن الوضع المغربي، والترويج لأخبار مضللة، والتلاعب بالمصطلحات، كما حدث حين وصفت وقفة احتجاجية محدودة أمام أحد الموانئ بأنها “انتفاضة”، قبل أن تُعدلها لاحقًا تحت ضغط ردود الفعل.
فهل يُعقل أن تتحول وقفة من عشرات الأشخاص إلى ثورة شعبية؟ أم أن ما لا يُقال أهم مما يُقال: أي أن هناك رغبة مبيتة في تشويه صورة المغرب وتقديمه كبلد مأزوم؟
لا يخفى على أحد أن هذه الحملات ليست بريئة، بل تُبنى بعناية على قاعدة “تغذية الشك”، وفتح المجال لأصوات هامشية معروفة بعدائها للثوابت الوطنية، من أفراد محسوبين على تيارات معارضة للنظام من الخارج، أو من جماعات لها أجندات لا تخدم لا العرب ولا الأمازيغ، بل تفتح شهية المتربصين.
وما يزيد من استغراب المغاربة، أن هذه القناة تتعامل بازدواجية مفضوحة: فبينما تقفز على انتهاكات صارخة في محيطها المباشر، وتبتلع لسانها أمام تحالفات مشبوهة في الإقليم، تنصّب نفسها وصية على اختيارات الشعب المغربي، وتدّعي أنها تُدافع عن الحريات، في بلد يشهد تعددية سياسية وإعلامية حقيقية، مقارنة مع دول المنطقة.
ومن بين أبرز أدوات هذا العداء الإعلامي، تبرز قناة الجزيرة كمنصة لم تعد تكتفي بتقديم روايات منحازة، بل صارت أداة مباشرة في تشويه صورة المغرب، عبر تقارير تنتقي الضيف قبل الفكرة، وتختار العنوان قبل المحتوى، وتُحرّف الواقع لتخدم أجندة لا تخفى على المتتبعين.
قناة تزعم المهنية، لكنها تعمد إلى اجتزاء الوقائع، وتمنح المساحات لخطابات التحريض تحت غطاء “الرأي الآخر”، بينما تُقصي الصوت المغربي المعتدل، وتُقصي قبل ذلك أبسط قواعد النزاهة الصحفية.
المقلق أن هذا الاستهداف لم يعد صدفة، بل أصبح جزءًا من خطاب يتكرر بإصرار، بشكل يجعلنا نتساءل: هل تحوّلت الجزيرة إلى قناة معارضة لنظام عربي مستقر اسمه المغرب؟ وهل مواقف المملكة المستقلة صارت تُزعج من لا يستطيعون تقبل التعدد خارج أطر التبعية والخضوع؟
إن المغرب، بتاريخِه العريق، وتنوعه الأصيل، وسيادته الراسخة، لا يخضع لابتزازٍ إعلامي، ولا يُقايض استقلال قراره الوطني برضا العابرين في دهاليز السياسة.
ما يُبنى على الكرامة لا تهزه تقارير منحازة، وما يتأسس على الوحدة لا تفرقه أبواق الفتنة.
فليعلم من يستهدف المغرب، من منصات مأجورة أو حسابات مأزومة، أن هذا البلد لم يكن يومًا ساحة لتصفية الحسابات، ولا ملعبًا لصراعات الشرق، ولن يكون.
المغرب وطنٌ بمنطق الدولة، لا القبيلة… وبثبات المؤسسات، لا بثرثرة القنوات.
ومن أراد الخير لهذه البلاد، فليبدأ باحترام ذكائها، وتاريخها، وخياراتها.
التعليقات مغلقة.