الانتفاضة // علاء جلال
تلك السورة العظيمة التي تحمل في طياتها حكايات وأحداثًا فريدة لا تجد لها مثيلًا في أي موضع آخر من كتاب الله قصصٌ تنبض بالحياة وأبطالٌ لم يذكروا في القرآن إلا هنا فيها تجد ذكر صاحب الجنتين والخضر عليه السلام وذي القرنين وأصحاب الكهف الذين سميت السورة باسم كهفهم إن هذه الشخصيات والأحداث لم يُشر إليها في أي موضع آخر مما يجعل سورة الكهف تميزًا استثنائيًا في سياق القصص القرآني
عند التأمل في هذه القصص نجد خيطًا مشتركًا يربط بينها جميعًا وهو الحركة المستمرة لا مكان للجمود أو الركود في هذه السورة فكل قصة تحمل طابع السعي الدؤوب والعمل المستمر انظر إلى أصحاب الكهف وكيف كانت هجرتهم إلى كهفهم رحلة مشحونة بالإيمان والثبات حيث اختاروا الهجرة بدينهم بعد أن ضاقت عليهم السبل معتمدين على الله ومتوكلين عليه ثم تأمل صاحب الجنتين وكيف دخل عليه الرجل المؤمن يحاوره وينصحه ويدعوه إلى التوحيد دون أن يتوقف عن بذل الجهد في محاولة التأثير عليه
ثم ننتقل إلى موسى عليه السلام ذلك النبي العظيم الذي لم يمنعه مقامه العالي من السعي وراء العلم حيث أعلن عزمه على الوصول إلى مجمع البحرين مهما استغرق الأمر من وقت وجهد وحين التقى بالخضر عليه السلام بدأت رحلة تعليمية فريدة كانت مليئة بالحركة والتنقل المستمر بين البحر والبر حيث كان موسى يتعلم دروسًا عظيمة عبر مشاهد حية وتجارب عملية
أما ذي القرنين ذلك الحاكم العادل والسلطان القوي فقد كان نموذجًا فريدًا للحركة العالمية الكبرى لم يكن سلطانه مجرد وسيلة للترف أو التفاخر بل كان أداة لنشر العدل ورفع الظلم عن المظلومين جاب مشارق الأرض ومغاربها متنقلًا بين الأمم والشعوب يستخدم ما أوتي من قوة وأسباب لنصرة الحق ومواجهة الفساد.
إن هذا الدين هو دين العمل والبذل دين الحركة المستمرة في كل الظروف وتحت أي ضغوط عندما نقرأ قول الله تعالى عن أصحاب الكهف {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} ندرك أن القيام هنا لم يكن مجرد حركة جسدية بل كان موقفًا إيمانيًا جريئًا يعبر عن قوة العقيدة وفي حوار صاحب الجنتين مع صاحبه المؤمن نلمح تلك الحركة الدعوية النابضة بالحياة حيث يظهر السعي الحثيث لتغيير القلوب والنفوس.
ولا يفوتنا أن نرى في قصة موسى عليه السلام مع الخضر مثالًا واضحًا على قيمة طلب العلم والسعي وراء المعرفة مهما بلغت المشقة لقد أظهر موسى عليه السلام استعدادًا كبيرًا للتضحية بالوقت والجهد حيث قال: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} وعندما تحقق له ما أراد بدأ يتعلم من الخضر دروسًا لا يمكن أن تُنسى في رحلة مليئة بالحركة والتجارب العملية
وفي نهاية السورة يأتي التذكير بأهم أصلين لقبول الأعمال الإخلاص لله والمتابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم العمل الصالح لا يكون مقبولًا إلا إذا كان خالصًا لوجه الله وموافقًا لما جاء به الشرع يقول الله تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
إن سورة الكهف تقدم صورة متكاملة لمجتمع مسلم متحرك يعمل وينجز ويسعى في الأرض لتحقيق الخير إنها رسالة واضحة أن الجمود والكسل لا مكان لهما في ديننا هذا الدين دين سعي وبذل دين حركة ونشاط دين يطالب أتباعه بأن يكونوا إيجابيين نافعين أينما كانوا لا يعرفون الركود أو الاستسلام.
التعليقات مغلقة.