الانتفاضة / محمد السعيد مازغ
في لقاء تشاوري عقد يوم 2 ماي 2024 جمع فاعلين وفاعلات اقتصاديين وسياسيين وجمعويين، مهتمين ومهتمات بتسويق وإنتاج زيوت أركان ومستخلصاته، بعامل إقليم الصويرة والوفد المرافق له، أي قبل موعد 10 ماي الذي يعتبر يوما عالميا لشجرة الأركان، هذا اللقاء التواصلي الذي يعد الحادي عشر للجنة الاقليمية لتنمية سلسلة اركان، وهو مناسبة لتشخيص وضعية التعاونيات المحلية، وتقييم النتائج ،ودراسة الحلول والافاق المستقبلية . عبرت جل المتدخلات عن ارتياحهن للاهتمام الكبير الذي يوليه عامل الإقليم لهذا القطاع ، والمجهودات المبذولة من طرف المديرية الإقليمية للفلاحة بالصويرة بهدف تحسين الوضعية السوسيو-اقتصادية للنساء القرويات النشطات في قطاع الأركان على مستوى الإقليم، وتثمين منتجات الأركان ودعم التسويق..
وأثنت المتدخلات على المرأة المكافحة بإقليم الصويرة، التي برهنت عن كفاءتها وقدراتها ووعيها بأهمية العمل الجماعي تحت غطاء تعاونيات محلية ، وطموحها في الاستقلال المادي ، والانفتاح على العالم الخارجي ، وتوفير متطلباته على مستوى التنوع والجودة وفق المعايير الدولية. إلا ان هذه المجهودات باتت اليوم تصطدم حسب الدراسات المنجزة ، والاستنتاجات المستقاة من الاحتكاك اليومي بالسوق وبالخبرة والتجربة الميدانية ، بالعديد من الإكراهات التي تهدد مستقبل التعاونيات خاصة منها المقاولات الصغرى والمتوسطة ، وذلك على مستوى تسويق المواد الأولية وغلاء الاسعار الذي يؤثر بدوره على الانتاج ، ويدفع في اتجاه انكماش النشاط التجاري وعدم القدرة على غزو الأسواق الداخلية والخارجية.
وقد كانت مداخلة سعيدة عطار رئيسة تعاونية أركان الخير جد مؤثرة وصادمة في ذات الوقت ، حين أكدت أن غلاء المواد الأولية لا يرجع لندرة منتوج أركان ، فالأشجار بفضل من الله مثمرة معطاءة ، وغير مكلفة ماديا وطبيعيا، فهي إن شئت شجرة مباركة مكافحة تتعرض لأبشع استغلال من طرف الإنسان والحيوان ، ومع ذلك لا تبخل بحفاوة عطاءاتها وغنى ثمارها، ووقفت سعيدة عند الجرح الذي استعصى علاجه , وأضحى خطرا تعجز الدوائر المعنية إلى حدود اليوم عن استئصاله ، حفاظا على سلامة القطاع و تعزيزا لقدرته التنافسية, والمقصود هو الجشع الذي ضرب بأطنابه، وقضى على كل حلم جميل ، لدرجة كانت تعاونية الخير تتعامل مع 11 زبونا من الدول الأجنبية ذأبوا على اقتناء منتوجات اركان ، واليوم جميعهم استغنوا عن زيوتها والمواد المصنعة من أركان بعد ان ارتفع ثمنها أضعافا مضاعفة. وحولوا وجهتهم نحو منتوجات منافسة وبأثمان معقولة وفي المتناول،فلم يبق من هؤلاء الزبائن ولو زبون واحد.
وفي الإطار ذاته ، أشارت الأستاذة أمل الهنتاتي رئيسة تعاونية مرجانة أن أكبر مشكل تعاني منه التعاونيات هو كثرة الوسطاء، من خلالهم ارتفع تمن المادة الأولية و أصبحت التعاونيات غير قادرة على مسايرة الوضع ، إضافة إلى الارتفاع الصاروخي في الأثمنة الذي يقلل من القيمة الربحية للتعاونيات و يدفع بمجموعة من التعاونيات إلى إقفال أبوابها، وهذا فيه نوع من الحيف وبالتالي يهدد العائلات التي تعيش من فاكهة وزيوت الاركان.
ويرى محمد هيلان ناشط إعلامي أن الورقة التي تقدم بها مدير الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وأشجار أركان بالصويرة تغني النقاش وتسلط الضوء على أهم الاختلالات ذكر منها : _ ( أن 56 في المائة من مجموع التعاونيات التي يبلغ عددها 247 تعاونية تعاونيات غير نشيطة. و13 فقط منها تتوفر على مقر في ملكيتها. ) وأن ( 33 في المائة تتوفر على شهادة المكتب الوطني للسلامة الصحية ، و 61 في المائة لم تحظ بشهادة انسا) .
كما أن المدخول السنوي للتعاونيات يتراوح بين 10 مليون و 50 مليون ، ومرجع هذه التفاوتات إلى طبيعة كل تعاونية حسب إمكانياتها وشطارتها وقدرتها على اقتحام الاسواق الداخلية والخارجية ، وبالتالي تصنيفها في خانة الكبرى، المتوسطة، والصغرى…
وعليه ، فمن خلال رصد بعض الأعطاب والمعيقات التي تثقل كاهل التعاونيات النسوية بامتياز ، و الأرقام التي تحمل دلالات عميقة وتحيلنا على إشكالية عويصة تشبه داء السرطان الذي ينتشر في الجسد ولا تجد له سوى المسكنات في غياب العلاج الناجع والمعالج الحكيم ، والقصد هنا اننا بلغنا حد الثخمة في رصد المشاكل و الاختلالات .. لكننا نعيش فقرا مدقعا على مستوى اقتراح الحلول وإيجاد – منفذ إغاثة – للتخلص من المعيقات ، وبالتالي أصبحت الضرورة تستدعي حملة ” بونظيف” لتطهير القطاع من الفطريات والطفيليات التي تأكل الغلة وتسب الملة” وتلهب النار في الأسعار ، وتضيق الخناق على صغار التعاونيات ، ووتتباكى على أعتاب المجالس والعمالات وحتى الوزارات .
إن أكبر تحدٍّ يواجه عامل إقليم الصويرة هو كيفية إعادة الأمور إلى نصابها ، وتحجيم دور السماسرة المتزعمين لحملة غلاء المواد الأولية ، وتحديد الأسعار المبالغ فيها التي فاقت الحدود المعقولة وتحولت إلى غول شرس يضعف الإقبال على منتوجات أركان، ويدفع في اتجاه الاستغناء عنها ، والبحث عن بدائل لها نفس الخصائص أو أقل. وفي ذات الوقت يتسبب في كساد على مستوى التسويق ، وأيضًا ينعكس سلبًا على مستوى الانتاج. وللإنصاف وتجنب التجني وتحميل الجهات المسؤولة وحدها مسؤولية تنقية الشوائب فالتعاونيات بدورها مطالبة بتهيئة الذات على مستوى القطع مع العشوائية، ووضع اليد في اليد في إطار ” رابح، رابح ” ، وتصحيح الوضعيات القانونية والمحاسبية، والخضوع لمعايير الصحة العالمية، خاصة أن السوق الداخلية غارقة في ماركات ومنتوجات من مستخلصات أركان وهي مزيفة وغير أمينة. فضلًا عن الاهتمام باليد العاملة ، وتشجيعها على العطاء والإخلاص في العمل .
رغم ما يعتري قطاع أركان من أعطاب أغلبها من صنع “حاميها حراميها”، لم تخف النشيطات، العناية التي يخص بها عامل إقليم الصويرة التعاونيات النسائية، والمساعدات التي تلقتها عن طريق المبادرة الوطنية للتنمية، والتي بفضلها انتعشت العديد من التعاونيات الصغرى والمتوسطة والكبرى ، وتغلب بعضها على الإكراهات المادية ، كما أشدن بالمديرية الإقليمية للفلاحة بالصويرة التي أولت ومازالت تولي أولوية تنمية قطاع اركان، من خلال المشاريع التي بلغت كلفتها ملايين الدراهم سعيا منها في تثمين زيت الأركان، وحماية شجر الأركان من الاندثار بالرفع من عملية الغرس في أراضي الخواص وبتكاليف جد منخفضة. ويبقى الأمل معقودًا في احتضان المبادرات الجيدة ، وتفعيل البرامج المسطرة ، وعلاج المشاكل المطروحة ، وتمكين كافة التعاونيات من حقها في الولوج إلى الأسواق الدولية ، وفي الاستفادة من التأطير والدعم المادي ومن التخفيضات المشجعة على الزيادة في الانتاج والتخفيظ في الاسعار.
التعليقات مغلقة.