وجددته (بخنشته) المملوء نصفها بأشياء لا تمثل أي شيء للذين رموها في (بركاسة) تحتوي على جميع أنواع النفايات والازبال و(لاوبيل)…ثم ما لبث ان لحق عليه شخص اخر رث اللباس وسخ الحالة شاحب الوجه عليه اثار الفقر والخصاص والعوز والهشاشة، ينبش هو الاخر في (البركاسة) لعله يجد شيئا ثمينا وهو يعلم ان مغاربة المملكة الشريفة لا يرمون في (البركاسة) الا الأشياء الوسخة والمتلاشيات والمكسورات والمنتهية الصلاحية، لكن صديقنا هذا ف(البركاسة) بالنسبة اليه مخزنا لأشياء ثمينة سيأخذها ربما لياكلها كالخبز وما تبقى من المشروبات و(المعلوفات) المغربية، او أشياء أخرى كالقارورات و(الكانيطات) والزجاج و(الكارتون)، وغير ذلك مما من شانه ان تشكل قيمة إضافية له في حياته البئيسة والفقيرة والمشلولة ماديا ومعنويا.
ف(البركاسات) بيت مغاربة الفقر والعوز والخصاص، الذين لفظهم التاريخ المغربي والجغرافيا المغربية والتربية الوطنية المغربية التي كانت ولا زالت تحاول غرس مبادى (التاواطانيت) في نفوس أهلها وذويها، لكن لما يتعلق الامر بالثروات والخيرات والنعم والبركات واشهى أنواع الاكل واشهى أنواع الشراب …اقصد الماء والعصائر وليس المشروبات الكحولية…فتلك حرام بنص الكتاب والسن، واحسن أنواع الألبسة واحسن اليات الركوب وافخر المنازل واحسن السيارات واروع الأماكن سفرا وتجولا و(تحواسا) وارقى التحسينيات والكماليات، الى غير ذلك مما لا يحظى به مغرب 2023 والذي كان وبقي ولازال وسيستمر…لا قدر الله…في انتاج نفس البرامج والأنشطة والايات التي تخدم الطبقة الميسورة، وترفع من ارصدتها البنكية وتعلي من شانها مقابل الإهمال والتهميش الذي تقابل به الطبقة الفقيرة للأسف الشديد.
انه مغرب المفارقات سادتي الكرام، ومغرب التناقضات ومغرب الفوارق الاجتماعية مغاربة ولدو وفي افواههم ملاعق من ذهب…ومغاربة ولدوا وفي افواههم ملاعب من تعب، مغاربة الهامش والحاشية والطرف…مقابل فئة محضوضة ولدت في مملكة محمد السادس وتربت فيه لكن استحوذت على كل الخيرات وجمعت (الحصيصة)… (حب وتبن) اكلت خيرات البلاد ونهبت ممتلكات العباد وادخلت المملكة الشريفة الى ما يشبه بالسكتة القلبية لا قدر الله…
فاينما ولت وجهك ستواجهك (بركاصة) عليها جمع غفر من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة يبحثن فقط عن لقمة عيش ولو كانت مختلطة بالأوساخ والقاذورات، واخرون لا يعرفون حتى معنى (البركاسة) لأنه في الحقيقة قد يفطرون هنا في المملكة الشريفة وقد يتناولون الغذاء في بلد ما ولا ينزلون من طائرة الا ويركبون طائرة أخرى…اما الفقراء فهم لا يسمعوا بهم ابدا…وان سمعوا بهم فهولا يجدون قولا ينبسون به الا قولهم المشين والعنصري والمقيت…”وسختوا البلاد…ياك احنيني يحساب ليك البلاد جاتك فالورث”…البلاد بلاد الله…والارض ارض الله ونحن مستخلفون في ذلك لا اقل ولا اكثر…وعوض ان نزيد العلف في ظهر المعلوف، علينا ان نفكر في الطريقة المثلى من اجل ان نعيد للفقراء والمساكين والمحتاجين الاعتبار، وان نمكن لهم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ونجعلهم محور التفكير والتخطيط والبرمجة…والا فسفينة البلد حتما لن تقلع مادام طرف محضوض يحظى بكل خيرات المملكة الشريفة…وطرف مقصي مهمش محكور لا يجد الا (البركاسة) من اجل الاقتيات.
لقد ان الأوان ان نعيد التفكير في سن استراتيجية وطنية شاملة من اجل ان نعيد لمغاربة (البركاسات) الاعتبار لانهم جزء منا ونحن جزء منهم وما يصيبهم يصيبنا وما يهمهم يهمنا وما يضرهم يضرنا…وعيب في الحقيقة ونحن في 2023 ان نجد بعض المغاربة يقصدون (البركاسات) من اجل ان يبحثوا عن لقمة خبز…لان ذلك هو الحل الوحيد بالنسبة لهم اذا جاعوا او عطشوا او أي شيء…ومملكة محمد السادس ولله الحمد وبقيادة جلالته الحكيمة مليئة بالخيرات والنعم…(ها الفوسفاط)…(ها الأنواع ديال الحوت)…(ها الأراضي)…(ها الفلاحة)…لكن ذلك لا يصل منه شيء الى (البوفرية) الذين لا يجدون ملجا الا البحث في (البركاسات) في الوقت الذي يرفل فيه المحظوظون في بحبوحة من النعيم المقيم.
التعليقات مغلقة.