اللجنة المؤقتة.. كمامة جديدة للصحافة!

الانتفاضة 

في زمن الديمقراطية المعلّبة، حيث تُباع الحريات في أسواق الشعارات، استيقظتُ على خبر تعيين لجنة مؤقتة لتدبير المجلس الوطني للصحافة. شدّ انتباهي لفظ “مؤقتة”، فأنا أعرف جيدًا أن كل ما يبدأ مؤقتًا في هذا البلد قد يكتسب صفة الخلود دون أن ندري كيف.

حاولتُ أن أفهم: لماذا لجنة مؤقتة؟ هل انتهت مدة المجلس المنتخب؟ هل هناك أزمة في تدبير الصحافة؟ أم أن القرار جاء فقط لأن الصحافة لم تعد تكتب بالطريقة التي تروق للبعض؟

فتحتُ هاتفي لأقرأ التفاصيل، فوجدتُ لغة قانونية سلسة، تخبرني أن اللجنة المؤقتة جاءت لضمان استمرارية المرفق! ضحكتُ وقلتُ لنفسي: “سبحان الله، الصحافة أصبحت مثل مصلحة جوازات السفر، تحتاج إلى من يضمن استمراريتها!”

لكن سرعان ما وجدتُ نفسي أمام تساؤل أكثر جدية: ماذا عن دور الصحفيين؟ ماذا عن الاستقلالية؟ هل يمكن لصحافة حرة أن تُدار عبر “لجنة مؤقتة”؟ أم أن المطلوب هو إعلام منزوع المخالب، يقف عند حدود “المسموح به” فقط؟

مع مرور الوقت، بدأتُ أستوعب أن هذه اللجنة المؤقتة ليست سوى كمامة جديدة للصحافة، تخنق أنفاسها باسم “التنظيم”، وتكمم أفواهها تحت ذريعة “الاستقرار”. فالمطلوب واضح: صحافة نظيفة، معقّمة، لا تتحدث إلا فيما يُسمح لها به، تمامًا كما يُطلب من المواطنين وضع الكمامة في الأماكن العامة، لا لحمايتهم، بل لتفادي أي “إزعاج” للنظام العام.

قررتُ أن أكتب مقالًا بعنوان “اللجنة المؤقتة والصحافة الدائمة الصمت”، لكن قبل أن أنهي سطوري، تذكرتُ أن بعض المواضيع قد تؤدي إلى “سوء فهم”! فاستبدلتُ العنوان بـ: “أهمية الاستقرار في تدبير المؤسسات الإعلامية”.

وهكذا، تعلمتُ درسًا مهمًا: الصحافة حرة… لكن بحساب، والكلمات مسموح بها… لكن بجرعات محسوبة، وحتى الهواء الذي تتنفسه الأقلام أصبح يخضع للتصفية، خشية أن يكون ملوثًا بنزعة السؤال والمحاسبة!

التعليقات مغلقة.