الكمال المراكشي يستيقظ من غيبوبته بعد عشرين سنة

• اللاعب وليد: ” هذه البلاد إن لم تبحث فيها عن وجودك وذاتك فستكون خارج الحياة..”

• الفريق الذي أنتج  الطاهر الخلج يلعب في خلاء من حفر وحجارة وقادورات، ومستودعات بلا ماء ساخن..
• رجل واحد بلا موارد يتحمل أعباء الفريق في غياب أي دعم من المسؤولين أو المؤسسات الاقتصادية

..إنجاز: محمد المبارك البومسهولي

الكمال الرياضي المراكشي واحد من الأندية التي لعبت دورا مهما في عصبة الجنوب وفي القسم الثاني سابقا وكان لها قسط مهم من حب المراكشيين..
نادي أعطى عدة أسماء كبيرة بعضها طبقت شهرته الافاق كاللاعب الدولي السابق الطاهر الخلج، لكن قدر هذا النادي أنه ظل فقيرا، وكان بحق مكافحا ضد العوز، سنده في ذلك عشاق لا يملكون المال ولكنهم يملكون العزيمة والتحدي الذي يغذونه بأوكسجين اسمه الحب، اسمه العشق، اسمه التضحية، فكان المرحوم “اعبيقة” مثالا لهذا العشق، حيث ساهم في أن يستمر الفريق لسنوات، لكن بعد رحيله أُدخِل الفريق إلى غيبوبة دامت عشرين سنة، فكان علينا أن ننتظر “اعبيقة” جديدا لينفخ بعض الروح في الفريق ولو إلى حين،  وهذه المرة جأ “الحانكا” ليمثل عشقا جديدا، فأخرج الفريق من غرفة ألإنعاش، لكن كيف؟ ولماذا؟ وماهي الظروف التي عليها الفريق الآن؟ وهل يستطيع الصمود؟ وهل أصلا هناك اهتمام من مسؤولي هذه المدينة بالمجال الرياضي؟
وهل يستطيع فريق بلا إمكانيات يتدرب في رقعة خلاء ودون بنيات تحتية، وهروب الممولين أن يستمر؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول إيجاد أجوبة لها من خلال هذا الاستطلاع..

 

الكمال الرياضي المراكشي وغيبوبة عشرين سنة



الكمال الرياضي المراكشي واحد من الأندية المراكشية التي نشطت القطاع الرياضي بمراكش خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وأعطى العديد من الرياضيين ممن شرفوا مراكش والمغرب ورفعوا الراية الوطنية في محافل دولية، وعلى رأسهم الطاهر الخلج٠ وكانت وراء هذا الفريق مجموعة من الأسماء التي آزرته وساندته ودعمته ليس من الجانب المادي فحسب ولكن من الجانب الروحي المنبعث من الحب والعشق الكروي والغيرة على المدينة الحمراء  والتي كان يرى هؤلاء أن مدينة حضارية كبيرة ولها صيت عالمي من العار أن تكون عقيمة على المستوى الرياضي، وبالتالي تبقى مقتصرة على فريق واحد أصبح مقدسا من الجميع ليهيمن على كل شيء دون أن يطفيء ظمأ أبناء هذه المدينة٠ وهكذا كان المرحوم “اعبيقة” الأب الروحي للكمال ليناضل من أجل أن يجد للكمال المراكشي موقع قدم على رقعة الرياضة بمراكش، وتحمل الألم والمتاعب إلى أن وفاه الأجل المحتوم، ومع رحيله يموت فريق الكمال أو بعبارة أصح يدخل إلى غرفة الإنعاش في غيبوبة دامت عشرين سنة

 

الانبعاث من جديد مع ” الحانكا”


كان لابد أن يستيقظ الكمال المراكشي من غيبوبته الطويلة  ويخرج من غرفة الإنعاش ٠٠ وكان لابد أن يكون لرجل متواضع بسيط ليست له إمكانيات مادية وليس من ذوي نفوذ، لكنه ابن الفريق ولاعبه السابق المدافع الصلب.”عبد المولى أويمين” المعروف ب”الحنكا ” هذا الرجل حركته عاطفته، حبه، عشقه، ليعيد النبض لقلب الكمال المراكشي، 
سألته كيف جأتك فكرة إعادة الحياة لفريق الكمال؟ فأجاب بهدوء شديد:
“هناك بعض الأعضاء من المكتب السابق كانوا يجتمعون لأكثر من سنة.. لكنهم لم يصلوا لأية نتيجة، فكرنا نحن مجموعة من المحبين للفريق وعزمنا على إعادة الحياة له..
دخلنا منافسات القسم الثالث الشرفي هواة حيث وضعنا ملف الفريق لدى عصبة الجنوب وها نحن في وسط الترتيب نكافح ريتما يصل الآخرون إلى توافق ويسهل عليهم تحمل المسؤولية..
قلت له لكن كيف لك أن تتحمل مصاريف الفريق وكل متطلباته المادية والمعنوية؟
أجاب وهو يبتسم :
“عبد ربه يتحمل مصاريف الفريق بتعاون مع بعض الغيورين والرياضيين،  ومازلنا ننتظر تلك المنح ولو أنها هزيلة، من المجلس الجماعي ومجلس الجهة عسى أن نستطيع أن نكمل ما تبقى من الموسم الرياضي وفي انتظار أن يأتي مكتب مسير قار له القدرة على التمويل والبحث عن موارد مالية مريحة..”

ملعب الكمال، خلاء من تراب وحجارة وقادورات


حين ولجنا الملعب الذي يتمرن فيه ويستقبل فيه الكمال المراكشي، وجدناه عبارة عن مساحة ترابية محفرة ومليئة بالحجارة  والقادورات، تطل عليها سطوح القصدير لدكاكين سوق ديور المساكين، ولا مدرجات فيها، مستودعات بلا ماء ولا كهرباء.. تألمت لوضعية هؤلاء اللاعبين الشباب، كيف لهم بالفعل ان يطوروا قدراتهم ويصقلوا مواهبهم؟ وهل فعلا يمكن للكمال أن يعيد الروح لشرايينه في ظل غياب البنيات التحتية؟
قلت لعبد المولى، ما رأيته الآن يدمي القلب، والظروف التي تشتغلون فيها، سواء الملعب الذي تتمرنون فيه والذي هو عبارة عن مساحة ترابية مليئة بالحفر والحجارة والازبال والقادورات، فضاء لا يشرف في الحقيقة وغير مؤهل تماما..
ألمه كلامي وتنهد قبل أن يقول:
“الإنسان حينما يريد إعادة الروح والتجديد، لابد أن يتسلح بالصبر، وأمام الإكراهات لا يسعنا إلا أن نتقبل أي ملعب كيفما كان، الملاعب قليلة في مراكش والفرق كثيرة وهناك ازدحام وتسابق،  نحن نتهرب من المشاكل..
نحن الآن صابرون،  يقولون بأنهم سيصلحون هذه الملاعب، وسيزرعونها بالعشب الاصطناعي وها  نحن ننتظر..”
قلت: هذه الملاعب التي تتمرنون فيها وتستقبلون فيها ضيوفكم من الفرق المنافسة مؤخراً حتى مستودعاتها محرومة من الماء بعدما أقدمت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء على قطع الماء والكهرباء عنها فكيف عوضتم المياه؟؟!
فقال: “مجلس مقاطعة جليز أصلح بعض الشيء هذه المستودعات ومكننا من مياه بئر تابعة للبلدية، لكن لا وجود للكهرباء والسبب أن المجلس الجماعي لم يؤدي ما عليه من مستحقات الماء والكهرباء ما أدى إلى إقدام الشركة على قطعه..”
قلت لكن كيف يتابع جمهوركم مبارياتكم وأنتم تستقبلون في ملعب وأقول ملعبا تجاوزا فهو كما أسلفت لا يصلح حتى للتداريب ولا يتوفر على مدرجات..؟
قال متأسفا:
” الجمهور يعاني ويتابع المباريات على تماس أرضية اللعب على شاكلة ما نراه في دوريات الأحياء، وهذا واقع لا يمكن الهروب منه..”
قلت له لكن الغريب أنكم تجاورون ملعب الحي المحمدي الذي يتوفر على المدرجات وفيه الحد الأدنى المقبول لإجراء مباريات كرة القدم ولا يبعد عنكم إلا ببضعة أمتار، فلما لا تستفيدون منه!؟
قال:
” ملعب الحي المحمدي مغلق لأزيد من خمس سنوات كل موسم رياضي يقولون إنه سيفتح لكنها مجرد وعود ليس إلا..
يقال بأن إعادة هيكلة هذا الملعب لم تتم بالشكل الجيد ووقع مشكل بين المجلس الجماعي السابق والمقاول ومازال الوضع قائما إلى الآن  والضحية هي القطاع الرياضي بمراكش..”
قلت: لكن في مراكش عدة ملاعب، كالحارتي وسيدي يوسف والحي الحسني وباب دكالة  والتي يهيمن على أغلبها الكوكب المراكشي فلماذا انتم تريدون فقط هذا الملعب البئيس؟؟
قال: “هذا المكان حتى لا أقول ملعبا، جاء إليه الكمال المراكشي منذ 1972 وبقينا فيه إلى يومنا هذا، كنا من قبل في ملعب يسمى “البدروم”  وهو المكان الذي بني فيه قصر المؤتمرات، ومن هناك انتقلنا إلى هنا قرب ديور المساكين..”

الوهم والحق في الحلم

 

في ظل هذه الظروف الصعبة كم انتم قادرون على الصمود في غياب الدعم، الناس الذين كانوا يساهمون ابتعدوا، أو مازالوا يترددون وكم من وقت يمكن لعبد المولى وحده أن يصمد ، ألا ترى معي انك تعيش نوعا من الوهم؟
قال مترددا:
“فريق الكمال يتوفر الآن على 60 لاعبا مابين الكبار والشبان إضافة إلى الفتيان والصغار وهو ليس فريق حي معين بل لاعبوه يمثلون مختلف أحياء مراكش، يساعدني في التأطير المدرب بيري عبد اللطيف، والواقع أن من يساعدوننا هم اللاعبون أنفسهم، لديهم تفهم للوضع، لهم الرغبة في اللعب، مازالوا صغارا ولديهم حماس، متكتلين فيما بينهم وهذا ما يُطمىئننا على المستقبل دون أن أنسى الأباء الذين يشجعوننا وهذا معطى مهم جدا.. قد نعيش بعض الوهم ولكن من حقنا أن نحلم..”
قلت: في ظل هيمنة الكوكب المراكشي على الفاعلين الاقتصاديين وعلى المجالس المنتخبة وعلى الملاعب، هل تظن ان هناك فريقا ثان قادر على خلق نوع من التوازن داخل هذه المدينة، تم هل سيبقى الكمال مجرد ظل ومزرعة للكوكب كما كان في السابق؟
عبد المولى كعادته يتجنب الدخول في ما يمكن ان يفهم خطاء ففضل ان يقدم جوابا مختصرا ليقول:
“الكوكب المراكشي فريق عريق لديه مشاكله بدوره ولا اظن أنه سيتخلى عن فريق الكمال..
قلت: لكن ما دور المسؤولين؟
قال الحانكا:
” للأسف هؤلاء لا يعرفون الأندية، أو بالأحرى ليس هناك من يوصل مشاكل ومعاناة هذه الاندية لهؤلاء المسؤولين، ومن هنا فنحن في الكمال نحتاج إلى مكتب مسير له القدرة على مد الجسور والبحث عن الموارد والتواصل مع كل الجهات التي يمكنها أن تساهم في دعم النادي..”
قلت: الطاهر الخلج أبن الكمال المراكشي وفيه شب وترعرع هل اتصلتم به ليدعم الفريق؟ أجاب:
“الطاهر الخلج كان لاعبا كبيرا وخلوقا وهو مايزال كذلك، وأطن أنه سيدعم يوما ناديه الكمال، ولا أعتقد أنه سيتخلى عنه، ومنذ أيام قليلة فقط علم أن الكمال المراكشي عاد ليتنفس هواء الحياة..”
قلت: أنت عبد المولى لماذا لم تقم بمجهود للتتصل به فرد قائلا:
“عبد المولى لا يتجاوز جدران الملعب ويبقى إلى جانب اللاعبين”
من خلال كلامه أحسست أن الرجل صحيح يحب الكمال، صحيح محتاج إلى موارد، لكنه يؤمن أن كرامة الإنسان فوق أي اعتبار، فلذلك لن يذهب ليستجدي هذا أو ذاك..

 

حب أم جسر للمرور

التعليقات مغلقة.