بعض المظاهر المجتمعية لن تجد لها تفسيرا مقنعا ولو أجريت حوارات مع الحهات المعنية، أو توصلت بمستجدات ووثائق ، او وقفت بنفسك على مجريات الأشغال والمبررات التي اعتمدت من اجل تصريف ميزانية وبداية اشغال يروج أنها تستوفي الشروط القانونية و الصحية والجمالية..، وتؤدي وظيفتها وفق خبرة مؤهلة، و دراسات مستفيضة، ونظرة مستقبلية تفي بالمراد وتعود بالمردودية على الفرد و المجتمع، وذلك على مستوى استفادة المواطن من الخدمات ذات الجودة العالية، واستفادة صندوق الدولة من مداخيل جبائية، واستفادة المدينة من بناية عمرانية لا تقل جمالا وجاذبية .
ولفك الطلاسيم على هذه التوطئة التي ترمي الى تسليط الضوء على أحد المرافق الحيوية، وهو سوق السمك الواقع بباب دكالة بمدينة الصويرة كنموذج حي لأحد المظاهر التي تخدش الكرامة، وتقزز النفس، وتطرح علامات استفهام عن دور المراقبة في حماية المستهلك، ودور الجمعيات المجتمع المدنيفي التحسيس والتوعية، ووسائل الاعلام في تنوير الرأي العام، ودور من يهمه الأمر في تحديد المسؤوليات، وترتيب الجزاءات.
من قلب السوق المذكور ، يقف أحد الباعة ليضعنا امام مسؤولياتنا الاعلامية في التنبيه الى ما لا يراه ويعيشه الا من خبّر السوق وعانى من الغياب التام لأهم المرافق الضرورية والحيوية داخل السوق، واطّلع على اسراره وخباياه، يقول بالحرف :” لا أدري كم سأعيش، ولكن لا أريد أن أحمل معي إلى قبري جرحا غائرا لا يعلم خطورته الا الله، وبعض التجار الذين فضلوا الصمت والتأقلم مع سلوكات باتت بحكم استفحالها مألوفة وغير مثيرة.
هذا السوق الوحيد الذي يباع فيه السمك في قلب مدينة الصويرة أغلق زمنا طويلا بدعوى الإصلاح وإعادة الهيكلة ليكون سوقا نموذجيا يحتدى به. ويشرف وجه المدينة السياحية. وإذا بالميزانية “تغمدها الله برحمته ” تتبخر. ويفتح السوق أبوابه على قبة شبيهة بضريح مهمل وسط مقبرة منسية، تحولت إلى فضاء يستوعب خليطا من الروائح الكريهة المشبعة ببقايا الاسماك، والمياه المنعدمة ، والبول، وأشياء أخرى .
ويضيف الرجل:” قد يتساءل البعض وما دخل البول في سوق السمك؟ وما مصدر الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف ؟
وما دخل السلطات المحلية والمجالس الجماعية وباقي المؤسسات المعنية بالثراث المعماري والحفاظ على صحة وسلامة المستهلك في هذا الموضوع ؟
ودون حاجة الى البحث في قاموس الصفقات واللجن المختلطة التي ترددت على السوق قبل اغلاقه، ومن بصم بالعشرة على المشروع ، ومن تحفظ دون ان يجهر بمواقفه ويفصح عن دواعي ذلك التحفظ. ومن صدح بالوعود الوردية التي تلقاها تجار السوق قبل اغلاقه وبعد فتح ابوابه في وجه العموم، أشار الرجل بسبابته كأنه يحصي عدد الباعة، ومحلات بيع السمك، والثوابل، ومطاعم الشي التقليدي، والسياح الأجانب ، والزوار المغاربة والعرب الذين فضلوا تناول وجبة سمك في سوق السمك ، ليقول :” هل تصدق أن هذا البقعة الصغيرة التي تجمع الاجناس البشرية من كل حذب وصوب، لا يوجد بها مرحاض واحد , ولا أنبوب ماء صالح للشرب!!!.
هل تعلم ان بعض بائعي السمك يضطرون للبول داخل القنينات الفارغة الخاصة بالماء او في أكياس بلاستيكية مما ينتج عنه روائح نثنة ، كما يفتقر السوق الى الماء الصالح للشرب الشيء الذي ينتج عنه انعدام النظافة والإضرار بصحة المواطن في غياب المراقبة والتجاهل المتعمد من طرف المسؤولين عن سلامة الأغذية وحفظ الصحة..
بلع الرجل ريقه، وحرك رأسه حسرة وأسفا على مدينة تعد من اجمل مدن المغرب، تتميز بطيبوبة ساكنتها، وهدوء طباعهم، وارتكانهم للسلم والسلام، أن تظل بعض الظواهر المشينة خارج التغطية والعناية اللازمة والتجاهل المتعمد لعوامل التنمية المستدامة والحق في العيش الكريم.
ودعناه وببسمة تحمل في طياتها رسائل ثقيلة، وأمل كبير في أن تجد صيحاته آذانا صاغية، وإرادة في تدارك الخطر المحدق بالمستهلك الصويري، والتتخفيف من معاناة التجار الذين يضطر بعضهم للابتعاد عن رزقه والاتجاه نحو المراحيض العمومية البعيدة عن السوق والتي يفتح اغلبها ابوابه في وقت الصلاة ويغلقها حال الانتهاء بها، أو جلب ماء البحر من أجل تنظيف السمك علما ان تلك المياه تكون مشبعة بغاز الفيول المستخدم في المراكب والسفن البحرية،وكلها عوامل يمكن التغلب عليها وعلاجها بالشكل الذي يعيد الاعتبار للسوق,ولأهل السوق، ولزبائن السوق, وبإمكانيات مادية جد متواضعة.
نعم تجار السوق مضطرين للاشتغال في مثل هذه الظروف المشينة، “مكرهين لا ابطال ” فالسوق هو مصدر رزقهم الوحيد، وليس لهم مداخيل اضافية، أو تأمين صحي، أو تقاعد، يكسبون رزقهم بعرق جبينهم، فهل هذه الاكراهات غير كافية لينظاف اليها الحرمان من الماء الصالح للشرب، ومرحاض خاص او عمومي…إلى جانب النظافة والحراسة.
وقبل الرحيل، همس الرجل قائلا :” اللهم اني قد بلغت.. اللهم إني قد بلغت …
التعليقات مغلقة.