جعفر حسون يعلق على الحكم القضائي حول قضية الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية

قضت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا في قضية إحدى العاطلات من أفواج الحاصلين على الشهادات العليا، على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة :”باتخاذ إجراءات تسوية الوضعية الإدارية والمالية للمدعية، وذلك بإدماجها مباشرة في سلك الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.” (حكم رقم1982 الصادر بتاريخ23/05/2013 القضية عدد 2012/5/571)
ويرُاد لهذا الحكم القضائي أن يقدم أو يضع حلا نهائيا لقضية ذات بعد سياسي واجتماعي، وضعت منذ ـ ما يزيد عن ثلاث سنوات ـ الحكومة في مواجهة الخريجين الحاملين للشهادات العليا، الذين انتظموا في ما يسمونه تنسيقيات أو مجموعات، جعلت من مهامها الانخراط في ما اعتبرته أشكالا نضالية من اجل تثبيت وتأكيد، ما اعتبرته أيضا، حقا من الحقوق في الإدماج المباشر والفوري في أسلاك الوظيفة العمومية.
الأمر يتعلق لحد الآن بحكم ابتدائي قابل للطعن بالاستئناف، ثم النقض ليصبح بالفعل حائزا لقوة الشيءالمقضي .وهو ما يجعل المبادرة بالتعليق على مقتضياته أمرا محفوفا بالمصاعب من جهة إمكانية تأثيرها على بقية مراحل التقاضي.
غير أن هذا لا ينفي أيضا أن الأمر يتعلق بحكم بات، باعتباره فاصلا وحاسما في موضوع وجوهر النزاع، وليس مجرد حكم عارض أو تمهيدي في مسألة عارضة.ومن تم فلا ضير أن يواكب الفقه هذا النقاش القانوني والقضائي من منطلق علمي وفقهي بحث ،ولا خشية على الممارسة القضائية من أي تأثير جانبي، بل إن هذا النقاش والتحليل العلمي يكاد يكون ضروريا، بالنظر إلى السياق الذي صدر فيه الحكم والذي تطبعه على أي حال مؤشرات السياق نفسه ،بما يعتمل فيه من تجاذب سياسي واجتماعي، ومن نقاش إيديولوجي هبط أحيانا إلى حد الإسفاف، يتعين تحصين أحكام القضاء من تداعياته.

إن استقلال القضاء ـ كمظهر لمبدأ أعم وأشمل هو مبدأ فصل السلطات ـ إنما يرمي إلى تحصين القضاء كسلطة،، من أن تتدخل في صلاحياته واختصاصاته أو في تدبير وإدارة شؤونه السلطات الأخرى ،من موقع القدرة على التأثير والتحكم في المسار المهني للقضاة ،بشكل يخل بعنصر الطمأنينة لديهم على أوضاعهم ومسارهم المهني،ويؤثر بالتالي على أحكامهم. وهو لذلك يهم العلاقة بين السلطات الدستورية للدولة، ولا شأن له بالعلاقة بين الفقه كممارسة علمية نظرية، وبين القضاء كسلطة لإصدار الأحكام وحسم النزاعات.

ويعرف الجميع الحساسية الشديدة والمفرطة لكاتب هذه السطور تجاه أي ممارسة أو فعل يمس من قريب أو بعيد بمبدإ استقلال القضاء، الذي كناـ بلا فخرـ أحد رواده الذين خاضوا غماره في ز من صعب كان فيه الخوض في الشأن القضائي كشأن مهني وكشأن عام، حجرا محجورا،ومجالا محظورا، متحملا في ذلك ما يعلمه الجميع من العنت والحصار الذي عصف في نهاية المطاف بمساره المهني، ولم يقف عند هذا الحد لتتواصل مطاردته بعد ذلك عند محاولته الانتساب لسلك المحاماة ثم في ممارسة حقوقه السياسية في الترشح للبرلمان.
بهذه الشرعية العلمية والمهنية من خلال تجربة قضائية استمرت لمدة 25 سنة، 16 سنة منها في مجال القضاء الإداري والمنازعات الإدارية، وبرصيد نضالي معلوم، في الدفاع عن استقلال القضاء،وممارسته سلوكا وثقافة طيلة هذا المسار.

وبعد القراءة وإعادة القراءة نقتحم غمار التعليق على حكم صادر في موضوع شديد الحساسية..
يستهل الحكم، كما جرى عليه التقليد منذ احداث المحاكم الادارية، بإيراد جملة من القواعد والمبادئ المستخرجة من الحكم ، أو التي كرسها الحكم أو اعتمدها في حيثياته وتعليله.
وقد تأسس هذا التقليد في ظل حماس انطلاق المحاكم الادارية تقليدا لما جرت عليه بعض المجلات القانونية المتخصصة في نشرها لأحكام واجتهادات المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) كمرجع قضاءي أعلى محق بهذه الصفة في إشهار المبادئ والقواعد التي يتم تأصيلها وبلورتها في قراراته. غير أن هذا التقليد ينبغي أخذه بكثير من التحفظ:

-أولا : لأن التقعيد ليس من مشتملات الحكم وبياناته الضرورية كما يحددها القانون ، الفصل 50 من ف م م ،لأنه ليس مما يهم أطراف النزاع .
– ثانيا: لأن التقعيد هو أساسا عمل فقهي من مجال الفقه الذي يعنى بتتبع الأحكام القضائية واستنباط القواعد الفقهية التي كرستها أو بلورتها كاجتهاد في تفسير أو تأويل مقتضى قانوني، أو سد فراغ في التشريع،
– ثالثا: لأن التقعيد لايعني مجرد إعادة صياغة لحيثيات الحكم الذي قد لا يتضمن أصلا ما يعتبر قاعدة فقهية يتعين استمرارها؛
– رابعا: القاعدة الفقهية لا تصبح كذلك، إلا إذا تأكد صوابها وصحتها علميا، وفقهيا من خلال الضوابط العلمية والفقهية لاستنباط القواعد، وتواتر العمل القضائي بها، وهو ما لا يتأتى لكثير من القواعد الواردة بالحكم موضوع هذا التعليق، كما سنوضحه بإسهاب فيما سيأتي.
إذا تجاوزنا إشكالية التقعيد لنعود إليها من زاوية أخرى، فان ما يميز هذا الحكم الفريد من نوعه أنه جال في كل مجال، وذهب كل مذهب،لتشوبه من ذلك في اعتقادنا ثلاث شوائب:

أولاها: عدم ضبط المفاهيم:
معلوم أن المفاهيم والمصطلحات، هي أدوات العمل الأساسية في كل تحليل علمي أو فكري، وأن ضبط المفاهيم والمصطلحات وتحديد حمولتها العلمية والفكرية هو مدخل ضروري لأي فهم أو تحليل سليم.
ومنذ الوهلة الأولى، وفي معرض رده عن الدفع المتعلق بوقوع الدعوى خارج الأجل، يثير الحكم مفهوم دعوى القضاء الشامل Recours de plein contentieux ou de pleine guridiction ـ في سياق تكييفه للدعوى وتحديد سياقها الاجرائي ـ الذي ،حسب الحكم نفسه-“” لا يكون صاحبه مقيدا بأي أجل للجوء إلى القضاء”” بالإستناد إلى معيار منسوب للغرفة الادارية بالمجلس الأعلى أنذاك، على أساس ((مصدر الحق المطالب به، وما إذا كان الحق يجد سنده في القانون مباشرة، بحيث يقتصر دور الادارة على تطبيق القانون على حالة من يعنيه الأمر ، كإجراء تنفيذي فقط ، فتصنف المنازعة في هذه الحالة ضمن مجال القضاء الشامل ، كما في نازلة الحال،أما إذا كان الحق مستمدا من قرار اداري، فإنه لا يمكن تجاوز أجل الطعن بالالغاء كما هو محدد قانونا.))
وهو معيار لا يفسر في الواقع شيئا،مادام أن القانون ف نهاية المطاف هو مصدر جميع الحقوق والأوضاع القانونية.غير أن القانون ـ كقواعد عامة ومجردةـ لا ينشئ في حد ذاته أوضاعا خاصة ، ولا يمكن أن يعمل إلا من خلال وسائط قانونية أخرى اصطلح الفقه على تصنيفها الى: تصرفات وأعمال قانونية Actes juridiques ، ووقائع مادية Faits matériélsوهي الوسائط التي يتم من خلالها تنزيل أحكام القانون من وضعه العام المجرد على الحالات والأوضاع الخاصة.وهذا سواء بالنسبة لأوضاع أو بالأحرى وضعيات القانون العام،فيما يخص علاقات الأفراد باالسلطة العامة، أو أوضاع الأفراد تجاه بعضهم البعض كما ينظمها القانون الخاص.

وتنقسم هذه بدورها إلى:
تصرفات فردية أي بالإرادة المنفردةActes individuels، وهي بالنسبة للإدارة القرارات على اختلاف مستوياتها، القرار الإداري، القرار السياسي، القرار التشريعي القرار القضائي أو الأحكام.
وهي بالنسبة للأفراد التبرعات والتصرفات بدون عرض،
ويكمن الفرق الجوهري بين هذه التصرفات الانفرادية، في كون الأولى أي الصادرة عن الإدارة تكتسي طابعا إلزاميا، ويطغى عليها الطابع التنفيذي تجاه الأفراد والجماعات والهيئات المعنية بها بينما تتوقف التصرفات الانفرادية للأفراد على قبول الأشخاص الموجهة إليهم دون أي إلزام.
أو تصرفات تتطلب التقاء إرادتين أو أكثر وتشمل طائفة العقود والإتفاقات Actes contractuels المبرمة بين الأفراد فيما بينهم،أومع الإدارة بصفتها سلطة عامة.
فيما تشكل الوقائع المادية جملة من الوقائع والحوادث التي لا تقع تحت حصر تنشأعنها أوضاع قانونية تجعل مرتكبي هذه الحوادث أو المتسببين فيها مسؤولين تجاه الضحايا أو المتضررين.
والمهم أن هذه الأوضاع والحقوق الفردية لا تنشأ مباشرة عن القانون ولا يمكن أن تنسب إليه، وإلا فقد صيغته الجوهرية كقواعد عامة ومجردة لا تحدد بالضرورة أوضاعا خاصة.ومن تم يفقد هذا المعيار أي معنى أوجدوى.
وعدم وجود قرار ظاهر أو ملموس كوثيقة، وكموقف قانوني صريح، لا ينفي أن هناك بالضرورة قرارا ضمنيا بالإيجاب أو السلب ولذلك يتحدث الفقه عن القرارات الضمنية Décisions Implicites الناتجة عن سكوت الإدارة وبالتالي عن انعدام قرار ظاهر وملموس.
وهكذا يتضح أنه ليس هناك في الواقع حقوقا وأوضاعا مستمدة من القانون مباشرة وأخرى مستمدة من قرارات ولا يوجد في الواقع إلا أوضاع مستمدة من قرارات صريحة وظاهرة أو خفية ضمنية،أومن وقائع مادية ثابتة.
والواقع أن تحديد معيار التميز بين مجال قضاء الإلغاء بما يميزه إجرائيا من حيث خضوعه لأجل محدد(60 يوما من تاريخ التبليغ بالقرار وإعلانه بطرق الإعلان المعتبرة قانونا مع إعفائه من الرسوم القضائية)، وموضوعيا من حيث سلطة القاضي ومدى امتدادها إلى معالجة الأثار القانونية للقرار،فنكون إذاك في مجال القضاء الشامل أو اقتصاره على مجرد إلغاء القرار غير المشروع مع إحالة الطاعن على الإدارة لتصحيح الأوضاع التي أخل بها القرار،فنكون إذن أمام قاضي الإلغاء. وهذا هو المعيار المعتمد من طرف الفقه الإداري منذ أن أرساه الفقيه الفرنسي….. Edouard Laferriére.وهي بالفعل مغامرة فقهية لا تخلو من المخاطر، خاض فيها جهابذة الفقه الإداري في فرنسا دون أن يخرجوا منها بطائل. .
وقد كان بإمكان المحكمة اعتماد المعيار التشريعي المستمد من الرجوع إلى قانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية نفسه الذي ـ يعد أن استنفذ القول في ما سماه في الباب الثالث ب ” طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المرفوعة إلى المحاكم الإدارية من المواد 20 إلى 25 بإدخال الغايتين ـ يشرع في تفصيل القول في باقي الاختصاصات المسندة إلى المحاكم الإدارية بمقتضى المادة الثامنة من نفس القانون التي ميزت هي نفسها، وتصلح بالتالي معيارا تشريعيا واضحا يمكن الاطمئنان إليه :ما بين “طلبات إلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة.” وبين النزاعات التي وردت بأسمائها في نفس المادةوتشمل :

-النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية
– دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام
– النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة، والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية…
– وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات، والضرائب، ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة،
– وأخيرا و في نفس السياق :النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين بمرافق الدولة، والجماعات المحلية، والمؤسسات العمومية،وهي التي تهمنا في هذا المقام.
إن حرص المشرع على تسمية هذه الدعاوى والنزاعات، وتحديد مهامها كنزاعات ناشئة عن تطبيق نصوص تشريعية وتنظيمية ،يجعلها بالتأكيد صنفا آخر من الدعاوى غير تلك التي تتعلق بطلبات إلغاء القرارات الإدارية وتصنف بالتالي ضمن مجال القضاء الشامل بحكم القانون بغض النظر عن أي معيار فقهي
ويتعلق الأمر هنا بدعاوى مسماة –Actions ou recours cités واردة بأسمائها التي تحدد مجالها وموضوعها، قياسا على العقود المسماةcontrats cites في القانون المدني.،مذكورة ـ بالتأكيد ـ على سبيل المثال مادام أن الدعاوى والطعون ليمكن أن تقع تحت حصر،تاركة للإجتهاد القضاءي مجال القياس عليها لتصنيف ما يرد عليه من الطعون ضمن هذا المجال أو ذاك.
ويتضح هنا أننا لم نختلف على أن الدعاوى أو بالأحرى الطعون التي يمارسها الموظفون لإعادة ترتيب وتصحيح أوضاعهم الإدارية والمالية، تقع فعلا ويحكم القانون ضمن مجال القضاء الشامل،
وهنا نكون أمام مفهوم آخر يتعلق ب “المنازعات المتغلقة بتسوية الوضعية الفردية للموظفين” كما يسميها القانون نفسه، ذهب الحكم في تحديده أو بالأحرى في توسيعه وإطلاقه كل مذهب.
فرغم أن الحكم يزعم الاستناد إلى قرار محكمة النقض صادر بتاريخ 17 أكتوبر 1996، يحدد هذا المفهوم- كما ورد في الفصل الثامن من القانون 41/90 بإحداث المحاكم الإدارية ـ بأنه “يشمل جميع الحالات التي تعتري الموظف أو بالأحرى مساره الإداري ـ وهو يعمل مع الإدارة ـ سواء فيما يرجع لترقيته أو تأديبه، أو حصوله على أجوره ومستحقاته”، فإن الحكم يصر على توسيع هذا المفهوم وتمديده ،بل وتمطيطه ليشمل أيضا ماسماه الحكم” مختلف الأوضاع المؤثرة على تسمية الموظف في الوظيفة العمومية من قبيل خطأ الإدارة في عدم التعيين، أو الولوج رغم استيفاء الشروط النظامية أو تجاوز المسطرة القانونية في ذلك قبولا أو رفضا بدون وجه حق”،
معتبرا أن مدلول الوضعية الفردية كما استقر عليه قضاء الغرفة الإدارية، “جاء على إطلاقه دون أى قيد أو حصرا” دون الالتفات إلى أدوات الحصر والتخصيص التي قيدت المدلول فعلا بكونه الأوضاع التي” تعتري الموظف، وهو يعمل مع الإدارة”، كما أنه مخصص أيضا بإيراد أمثلة لهذه الأوضاع من ترقية أو تأديب أو حصوله على أجوره ومستحقاته.
كما أن لفظ الموظف في حد ذاته تخصيص للمعنى ،باعتبار أن هذا المفهوم نفسه(الموظف) ـ حين يستعمل في المجال الإداري ـ لا يمكن أن يحمل إلا على الموظف النظامي، “المعين بصفته رسمية في وظيفة كما يحدده الفصل 2 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
صحيح أن الجرد الوارد في قرار الغرفة الإدارية لا يشمل كل الأوضاع التي تعتري الموظف، والتي وردت بالتالي على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن بقية الأوضاع لا يمكن أن تخرج عن هذا المثال أي أوضاع مرتبطة بصفة موظف وبالتالي تشمل أيضا النقل التعسفي، والندب، والإعارة ورفض طلبات الاستيداع… إلى غير ذلك من الأوضاع المرتبطة بصفة الموظف كوضعية قانونية ونظامية.
غير أنها لا تمتد بأي حال لتشمل فئة من المطالبين أو المدعين بأحقية في التوظيف، الذين لم يكتسبوا بعد هذه الصفة بل أنها لا تستوعب حتى الموظفين المتدربين الذين أفرد لهم القانون أنظمة خاصة تلائم أوضاعهم.
ومن هنا فإن تسوية أوضاع الموظفين مرتبطة ولصيقة بالصفة التي تعتبر شرطا أساسيا فيها باعتبارها إمكانية قانونية بيد الموظف لتصحيح أوضاعه التي قد تكون تضررت أو اختلت من جراء قرارات إدارية غير مشروعة، بحيث يمكن تصنيف هذا النوع من الدعاوى أو الطعون على أنها من دعاوى ذوي الصفة، قياسا على جرائم ذوي الصفة كالارتشاء واستغلال النفوذ …..الاختلاس والغدر الذي يتصور ارتكابه الا من الموظفين بشكل يجعل الصفة أحد عناصر تكوين الجريمة ومثل ذلك في الخيانة الزوجية التي لا تتصور الأمن متزوجين،
نعم ان صفة الموظف موسعة ومطلقة في القانون الجنائي بحكم طبيعية هذا القانون وبهدف تحقيق عدم الافلات من العقاب ،كما أن القانون الإداري يعرف أيضا مفهوم الموظف الفعلي الذي يعهد إليه ببعض أعمال الوظيفة العمومية في ظروف استثنائية كحالة الحروب والزلزال والكوارث الطبيعية.
لكن الحديث عن ” الموظف حسب المال” أو “الموظف المحتمل” الذي خرج به علينا الحكم موضوع هذه الدراسة. يعد وصفا –ولا نقول مفهوما ـ ينطوي على كثير من التجاوز ولا يتحمله بأي حال منطق القانون ولا منطق الأحكام القضائية التي ينبغي أن تنبنى على الجزم و اليقين لا على الظن والاحتمال.
ولا يكفي لتبرير هذا المسلك في التعامل مع نصوص القانون والاجتهاد القضائي، محاولة إيجاد آلية قانونية وقضائية ل(مواجهة القرارات غير الشرعية الصادرة بخصوص التعيينات، قبولا أو رفضا)،على حد تعبير الحكم ، كما لا يجدي القول بأن قانون الوظيفة العمومية نفسه الذي نظم الولوج إلى الوظيفة العمومية هو الذي ينظم هذه الأوضاع.
ذلك أن قرارات الرفض أو التعيين الصادرة خلافا للقانون، ونتحدث هنا عن القرارات الفردية ذات الطابع الإداري المحض، هناك دائما إمكانية للطعن فيها بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة ،ضمن شروطها وإجراءاتها القانونية،باعتبار هذا الطعن ممكنا دائما ولو بدون نص،وذلك حماية لمبدأ الشرعية Principe de légalité، الذي يقتضي إخضاع جميع القرارات الإدارية للرقابة القضائية ويتنافى مع تحصين أي قرار إداري ضد هذا النوع من الطعون الذي اعتبره الفقه لذلك من النظام العام.
وهو ما كرسه الدستور المغربي الجديد في مادته 118 في فقرته الثانية كمقتضى دستوري على جانب كبير من الأهمية من حيث أنه يضفي على مبدإ الشرعية حماية دستورية.ويعتبر بالتالي من المستجدات التي لم يأبه لها الفقه الدستوري ولم يولها ما تستحق من الإعتبار.

ذ/حسون جعفر*

التعليقات مغلقة.