” هوت ماروك ” .. أولى روايات الكاتب والإعلامي المغربي ياسين عدنان، حال ظهورها بدايات سنة 2016، وهي تومض إغواءات النقاد والكتاب والمبدعين وذوي الاهتمامات بفعل الكتابة السردية .تمضي على عدة مستويات، من سرعة النفاذ من الأسواق، إلى الامتلاء بالمتواليات السردية المثيرة بإسرارها الخفية خلف شخوص تتحرك من موقع الهامش داخل فضاءات مراكش، وتنجلي في إبداع يحبل بالتناقضات المجتمعية على نحو رغبة السارد في تجاوز هذيانها وحركات جنونها بكتابة سردية متقدة بالحميمية النقدية لقيم الواقع المهترئ، ولما أرخى الكاتب والقاص المغربي أبو يوسف طه سدول قراءاته العاشقة لرواية ” هوت ماروك ” ضمن أمسيات رمضان التي نظمتها المديرية الجهوية للثقافة بجهة مراكش مساء الخميس 23 يونيو 2016، بحضور عدنان ياسين مبدع النص، والناقد الأدبي محمد ايت لعميم، وسط جمهور مؤجج الغرام بالرواية، حيث كان الجميع في حالة تجاوب لا منقطع مع قراءة الأديبين، ولما اشتمل عليه المتن السردي لـ ” هوت ماروك “من إضمار شفرات مفتوحة على أكثر من قراءة وصخب، وكذا رصده مختلف التحولات المجتمعية لراهن مغربي يشي بالكثير من القيم المأساوية والأفعال الكوميدية، استعصت على ابو يوسف طه التصنيف في جنس أدبي معين، ليشتغل نص ” هوت ماروك” على مهارة المزج بين الرواية والسيرة الغيرية، والقدرة الدقيقة في توزيع برامج السرد بين مختلف مكونات فعل الحكي ( الزمان، المكان، الشخوص، القص، إيقاع السرد، البيئة الروائية، مواقع الراوي، اعتبارات التلقي…)، واستدخال لغات من أحياز ثقافية تنتمي لكل ما هو ثقافي بانورامي. أبو يوسف طه في تشريحه لعلاقة الراوي بما يرويه، نأى بسارد ” هوت ماروك” إحاطته علما بكل ما يدور في النص، وان كان التصنيف الكلاسيكي لمواقع الراوي تتجه إلى جعل راوي” هوت ماروك ” كلي القدرة والمعرفة، غير ان ابو يوسف طه أصر في قراءته على أن حضور الراوي في الحكي ليس من موقع العليم بكل شيء، فهو زئبقي، كما يتحرك فعلا من الخلف يفسح المجال لشخوصه للحضور المتزامن مع السارد، كما أن الشخوص تنفلت من زاويته إلى الخارج حيث تصبح أكثر تحررا من سلطة الراوي، وتبدو غريبة حتى عن نفسها وأفكارها وعواطفها، فالشخوص في المعيش الاستبدادي تعيش عالقة في فخ ” الجبرية القدرية “، وتتأرجح بين تحركاتها بين التراجيديا والملهاة، وتجمع بينهما من أجل الثورة على ” القدرية الجبرية” باعتبارها حسب أبو يوسف طه قيمة مهيمنة على الرواية، عمل ياسين عدنان على تفكيك سلطاتها ليوري القارئ / الإنسان ذاته في المرآة من خلال روايته الكاشفة للتحولات المجتمعية داخل حديقة حيوانية، هي أقرب إلى صدمة البدائية التي يحياها المجتمع باستمرار ولا يلاحظها، لتأتي ” هوت ماروك ” للكشف عن ذلك المخبوء الصاخب في ذوات المجتمع المفعم بالحيوية والطبائع المتناقضة.
الناقد محمد أيت لعميم في رصده محكي الرواية أكد بدوره على البعد الكرنفالي للرواية والتصاقها بالأقنعة لتمرير العلامات والخطابات، واعتبر ظهور الإنسان في الرواية بملمح الحيوان ذي قيمة جمالية ودلالية، ومهيمنة على شتى مناحي النص، إذ كل الشخوص حيوانات مقنعة، وفي استعارتها لهذه الحيوانية فإنها تعكس مدى الاضطرابات المعيشة في مجتمع يغيب عنه العقل، لفائدة إبراز الرغبات الجنسية الشاذة، والارتزاق الصحفي، والمهاترات الجامعية والحزبية والانتخابوية ..، وكذا تهافت الخطابات السياسية والدينية… وغيرها من القيم المتناقضة التي تعمق المفارقات المجتمعية، لم يكن أيت لعميم في توظيفه لمفهوم الاستعارة الحيوانية الا تأكيدا لما تلعبه هذه التقنية السردية منذ القدم من أدوار محورية في التأطير المكاني والبناء الزمني وفضح أعطاب المجتمع والبؤس المهيمن عليه، بأسلوب أكثر جمالا وشديد الصلة بطبيعة الإنسان، وهو ما دفع بالناقد أيت لعميم إلى تبويء إبداعية ياسين عدنان بالرواية المغربية الأصيلة والجيدة وذات القيمة من أجل المجتمع.
التعليقات مغلقة.