الانتفاضة // مصطفى عبدالله
الله تعالى “المذل” هو الذي يذل من يشاء بقدرته التي لا يحدها حد، ويضع من يشاء في مكانته التي شاءها له.
إنه اسم يحمل في طياته كل عظمة وإرادة إلهية، فهي ليست مجرد حالة من الهوان، بل هي قدرة تظهر للإنسان حقيقة نفسه وتضعه أمام مرآة عجزه.
و المذل هو الذي يضع من يظن نفسه عظيما في موضع الهوان، ليعلمه أن العز لا يأتي من القوة أو المال أو الجاه، بل هو بيد الله وحده.
و في لحظة قد يرفع الله تعالى عباده إلى أعلى درجات العز، وفي لحظة أخرى قد يذلهم ليفهموا أن العزة الحقيقية تكمن في طاعتهم لله وقربهم منه، لا في متاع الدنيا الفاني.
“إن الله تعالى يذل من يشاء” هي مشيئة إلهية تتجاوز حدود الفهم البشري.
وان الذل الذي يفرضه الله تعالى ليس ذلا عقاب، بل هو درب للنهوض بالروح وتصفية النفس.
و هو دعوة للإنسان ليحني رأسه لله تعالى، ليكتشف من خلال الذل العز الحقيقي الذي يأتي من الاعتراف بالله تعالى وحده.
و في الذل نجد كمال التواضع، وفيه تتراءى أمامنا حقائق الحياة الدنيوية والآخرة.
وقد يحدث الذل بطرق مختلفة:
فقد يكون ذلا في المال، في المكانة، أو حتى في الصحة.
ولكن كل ذل هو فرصة للعودة، والتوبة، والاعتراف بقوة الله تعالى المطلقة، وأنه لا أحد يمكنه أن يمنح الإنسان عزه إلا الله تعالى.
والذل في ذات الله تغالى هو الذي يعيد الإنسان إلى صوابه، ويحرره من عبودية الدنيا، ليشعر بخضوعه للحق وحده.
المذل هو الذي يذيقنا طعم الهوان في هذه الدنيا لنتذوق حلاوة العزة في طاعته ورضاه، فهو الذي يرفع القلوب التي انكسرت، ويطهر الأرواح التي عجزت.
وعندما يذل الله تعالى قلبا، فإنه لا يذل إلا ليحمله على كتفيه ليقف منتصرا في النهاية، منتصرا بإيمانه، منتصرا بالقرب منه.
“إِنَّ فِي الذُّلِّ عِزَّةً، وَفِي الْهَوَانِ رِفْعَةً”
هذا هو مفهوم الذل الإلهي، حيث تجد العزة في أقسى لحظات الهوان، لأننا في كل ذل نقترب أكثر إلي الله تعالى.
لذلك في كل لحظة ذلّ، لا تحزن. فقد تكون تلك اللحظة هي اللحظة التي تعيدك إلى الله، والتي تعلن فيها عن استعدادك للهداية والرجوع إلى ربك، الذي يذل من يشاء ليرفعه إلى أعلى الدرجات.
التعليقات مغلقة.