السلطة الاعلامية والعدالة الانتقامية

الانتفاضة

أصيبت الحركة الحقوقية بإحباط كبير جراء الحكم القاسي على الصحفي حميد مهداوي ولم تجد بدا من إصدار بيانات التضامن وبلاغات الشجب والاستنكار والتحذير من تكرار سنوات الجمر والرصاص التي طبعت التاريخ السياسي المغربي خلال حكم الراحل الحسن الثاني والتي تم التوافق على معالجتها من خلال ما يعرف بالعدالة الانتقالية لا الانتقامية ومن خلال آليات الانصاف والمصالحة وجبر الضرر وعفا الله عما سلف، لكن يبدو ان الأمر أكبر من مجرد مجالس وهيئات ونصوص قانونية ملغومة ك”قانون كل ما من شأنه” بل يتعلق الأمر بذهنيات وعقليات تشبعت بالمنهج البصروي والمقاربة التأديبية الاستبقائية ومنطق “إعادة التربية” عن بعد..، لكل من شأنه شأن المهداوي والريسوني والمومني والقائمة طويلة..

ويبدو كذلك وهذا هو بيت القصيد من هذه السطور أن ترقية الجهاز القضائي بالمغرب الى مرتبة السلطة المستقلة عن الجهازين التشريعي و التنفيذي لا يزال في مرحلته الجنينية وأن الطريق لهذا الحلم الديموقراطي المتصل بفصل السلط واستقلاليتها، طريق صعب وشائك إن لم نقل بكونه من سابع المستحيلات في ظل استمرار جيوب مقاومة التغيير، وعض ورثة العهد البائد بالنواجذ على سياسة التحكم في كل الأصوات الحرة وتقليم أضافرها وإغراق مراكبها بالغرامات المليونية والمليارية،

آن الاوان لاعادة النظر في استمرار لجوء القضاء إلى القانون الجنائي في القضايا ذات علاقة بممارسة الصحافة والنشر، ومراجعة حدود التماس بين القانون الجنائي ومدونة الصحافة والنشر، آن الأوان للحديث كذلك بصوت مسموع عن ضرورة استقلال السلطة الرابعة وحاجة البلد لمؤسسات إعلامية قوية ومستقلة وذات مصداقية بعيدا عن دعم الدولة وهبات المعلنين والمستشهرين..

لقد شهدت عدة دورات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إصدار الكثير والكثير من القرارات التأديبية في حق القضاة تراوحت العقوبات فيها بين الإنذار والتوبيخ والإحالة على التقاعد الحتمي والعزل من أشهرها عزل قاضي التحقيق بابتدائية برشيد، الذي كان موضوع عدة شكايات من متقاضين اتهموه بالرشوة، خاصة واقعة الكمين الذي نصب له إثر شكاية عبر الرقم المباشر لرئاسة النيابة العامة، غير أن سائقه فر من المكان المتفق عليه بعد أن أعلم بخبر الكمين..

ختاما نقول أنه لا عصمة إلا لنبي وأن حدوث تجاوزات وشطط في استعمال ما يعرف ب”السلطة التقديرية” أكثر من وارد، ولعل الحكم الصادر في حق الصحفي حميد مهداوي يشير بشكل او بآخر على وجود خلل ما في استعمال السلطة وتداخل السلط التنفيذية والقضائية والتضحية بالحلقة الاضعف في هذا المسلسل الا وهي السلطة الاعلامية وحرية الرأي والتعبير وحق النقد والمعارضة والجهر بالحقائق رغم مرارتها وقسوتها فهي أقل ضررا من الكذب والتضليل والاصرار عليهما إرضاء لمكانة زائفة او حقيبة فارغة او منصب زائل او تحالف حكومي هش واللبيب بالاشارة يفهم.. وللحديث بقية

بقلم مصطفى شكري

التعليقات مغلقة.